وجماعة كبيرة من المماليك السلطانية أشرفية كبار وأشرفية صغار، ونزل الأمير نقيب الجيش إلى المعينين، وأمرهم على لسان السلطان بالسفر من يومهم إلى الصعيد، فاعتذروا بعدم فراغ حوائجهم؛ لكون الوقت يوما واحدا.
فلما كان آخر هذا النهار أرجف بموت السلطان فماجت الناس، وكثر الهرج بشوارع القاهرة، ولبس بعض المماليك آلة الحرب، فاستمرت الحركة موجودة في الناس إلى قريب الصباح.
وأصبح في يوم الأحد رابع ربيع الأوّل والسلطان في قيد الحياة، غير أنه انحطّ فى المرض انحطاطا يشعر العارف بموته، ونودى في الحال بالأمان والبيع والشراء، ودقّت البشائر بعافية السلطان في باكر النهار وفي آخره أياما كثيرة، وصار السلطان أمره إلى التلف وهم على ذلك.
فلما كان عصر نهار الأحد المذكور نزل الأمير تنبك المعلم الأشرفى الرأس نوبة الثانى إلى الأمير قرقماس أمير سلاح على لسان السلطان وأمره بالخروج إلى السّفر من وقته بعد أن ذكر له كلاما حسنا من السلطان، فخرج قرقماس من وقته، وكذلك يشبك الفقيه الدّوادار، وتبعهما من بقى ممن عيّن إلى السفر، ونزلوا إلى المراكب، ووقفوا بساحل النيل ينتظرون من عيّن معهم من المماليك السلطانية فلم يأتهم أحد، كل ذلك والسلطان صحيح الذهن والعقل، يفهم الكلام ويحسن الرد، وينفذ غالب الأمور، ويولى ويعزل، والناس لا تصدّق ذلك، وأنا أشاهده بالعين، هذا والسلطان يستحثّ من ندب إلى الصعيد بالسّفر في كل يوم.
وأصبح السلطان في يوم الاثنين على حاله، وحضر عنده بعض أمراء، وعلّم على دون عشرة مناشير ومراسيم، وهو في غاية من شدة المرض، فلما نجزت العلامة استلقى على قفاه، فرأيت وجهه كوجه الأموات، وانفضّ الناس وخرجوا، فلما كان بعد الظهر طلع إلى السلطان بعض أمراء الألوف والأعيان، وسلّم عليه، فشكا إليه السلطان ما أشيع عنه من الموت، ثم قال: أنا ما أموت حتى أموّت خلائق، وأنا أعرف من