هؤلاء الكذبة الجهلة الأوقاح، وإنما العجب من تصديق الناس لكلامهم، وقد رأيت جماعة من ذوى العقول تقول:«صدق فلان في قوله كذا وكذا» فأقول له:
«ما صدق بل حزر مرّة وثانية وثالثة ورابعة فأخطأ، ثم أصاب في الخامسة، وكل أحد يقدر على أن يقول مثل ذلك، لان الخير والشر والولاية والعزل «١» واقع في كل أوان وزمان، وكل منتصب لا بدّ له من العزل أو الموت، فالفرق في هذا المعنى بين العارف والجاهل بباب الحزر واضح لا يحتاج إلى بيان» .
وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله التاجى المؤيدى المعزول عن نيابة حلب، والمرشح لنيابة الشّام بعد موت تنم المقدم ذكره، قبل أن يخرج من حلب بدار سعادتها، فى يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة بعد أن مرض أياما يسيرة، وهو في عشر السبعين، وكان چاركسى الجنس، من صغار مماليك الملك المؤيّد شيخ، وصار خاصكيا بعد موته إلى أن صار نائب بيروت في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، ثم نقل إلى نيابة غزة، ثم ولى نيابة صفد، ثم حماة، كل ذلك ببذل المال لاتّضاع قدره، ثم ولى نيابة حلب بعد موت الحاج إينال اليشبكى، فباشر ذلك إلى هذه السنة، فرسم له أن يقدم إلى القاهرة «٢» أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية، فتهيأ للخروج من حلب فمات الأمير تنم نائب الشام، فأقره الملك الظاهر خشقدم عوضه في نيابة الشام، فمات جانبك هذا قبل أن يصل إليه الخبر بولاية دمشق، وقيل بعد وصول الخبر بيوم، وكان متوسط السّيرة في ولايته، ولم تسبق له رئاسة بالديار المصرية غير الخاصكية، وكان غالب ولايته ببذل المال، والذي يبذل المال لا بد له من الظلم، وقد بلغنا عنه أنه كان يستعمل لقيمة الفقراء «٣» الخضراء، والله أعلم بصحة ذلك.