قلقسيز أمير مجلس بمن معهم من خچداشيتهم الظاهرية والأشرفية ركّاب على خيولهم، لإرسال الأمداد لقتال يشبك الدوادار.
فلما جاء الليل ليلة السبت أدخل يلباى إلى مبيت الحرّاقة، وبات به على هيئة عجيبة، إلى أن أصبح النهار وأخذوه وطلعوا به إلى القصر الأبلق، وحبسوه في المخبأة التي تحت الخرجة، بعد أن طلعوا به ماشيا على هيئة الخلع من السلطنة، وأخذوا الناس في سلطنة الملك الظاهر تمربغا، وزال ملك يلباى هذا كأنه لم يكن، فسبحان من لا يزول ملكه.
وكانت مدة ملكه شهرين إلا أربعة أيام، ليس له فيها إلا مجرد الاسم فقط، ولم نعلم أحدا من أكابر ملوك الترك في السن، خاصة من مسّه الرق، خلع من السلطنة فى أقل من مدة يلباى هذا، وبعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير، فإن مدة بيبرس أيضا كانت سنة تنقص ثلاثة وعشرين يوما، ثم الملك العادل كتبغا المنصورى كانت مدة سلطنته سنتين وسبعة عشر يوما، وأما الملك الظاهر برقوق فإنه خلع بعد سلطنته بنحو سبع سنين، ثم أعيد.
ومع هذه المدة اليسيرة كانت أيّامه: أعنى الملك الظاهر يلباى، أشرّ الأيام وأقبحها، فى أيامه زادت الأجلاب في الفساد، وضيقت السبل، وعظم قطع الطرقات على المسافرين مصرا وشاما، وما برحت الفتنة في أيّامه قائمة في الأرياف قبليّها وبحريّها، وتوقفت أحوال الناس لا سيما الواردين من الأقطار، وزادت الأسعار في جميع المأكولات، وضاعت الحقوق، وظلم الناس بعضهم بعضا، وصار في أيامه كل مفعول جائزا، وما ذلك إلا لعدم معرفته، وسوء سيرته، وضعفه عن تدبير الأمور، وبت القضايا وتنفيذ أحوال الدولة، وقلة عقله، فإنه كان في القديم لا يعرف إلا بيلباى تلى، أى يلباى المجنون، فهذه كانت شهرته قديما وحديثا في أيام شبيبته، فما بالك به وقد شاخ وكبر سنه، وذهل عقله، وقلّ نظره وسمعه.
وقد حكى الأمير برسباى قرا الخازندار الظاهرى أنه لما أخذه من مخبأة القصر