للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: يا أمير المؤمنين، لوعة غلبتنى، وروعة فاجأتنى، ونعمة استلبتها بعد أن غمرتنى، فإن عاقبت فبحقّك وإن عفوت فبفضلك؛ فدمعت عينا المأمون وأمر له بجائزة. ومما ينسب الى المأمون من الشعر قوله:

لسانى كتوم لأسراركم ... ودمعى نموم لسرّى مذيع

فلولا دموعى كتمت الهوى ... ولولا الهوى لم تكن لى دموع

وكانت وفاة المأمون فى يوم الخميس لاثنتى عشرة ليلة بقيت من شهر رجب وحمل الى طرسوس فدفن بها. وكان المأمون حليما عادلا. قيل: إن بعض المشايخ كتب إليه «١» رقعة فيها مرافعة فى إنسان، فكتب عليها المأمون: السّعاية قبيحة وإن كانت صحيحة، فإن كنت أخرجتها من النّصح، فخسرانك فيها أكثر من الرّبح؛ وأنا لا أسعى فى محظور ولا أسمع قول مهتوك فى مستور؛ ولولا أنت فى خفارة شيبك لعاقبتك على جريرتك مقابلة تشبه أفعالك. وكتب بعضهم إلى المأمون رقعة فيها: إن رجلا مات وخلّف مالا عظيما وليس له وارث إلا طفل مرضع، وإن تحكّم القضاء فيه أضاع ماله، وأمير المؤمنين أولى به. قال: فأخذ الرقعة وكتب على ظهرها، الطفل حبّره الله وأنشاه، والمال ثمّره الله وأنماه، والميّت رحمه الله ورضى عنه وأرضاه؛ وأمّا الساعى لى فى أخذه فلعنه الله وأخزاه.

وقيل: إنه لما مات عمرو بن مسعدة وزير المأمون رفعت اليه رقعة: أن عمرا المذكور خلّف ثمانين ألف ألف دينار. فوقّع المأمون على ظهرها: هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا.

وقيل: إن رجلا قدّم الى المأمون رقعة فيها مظلمة، وكان المأمون راكبا بغلة فنفرت منه فألقت المأمون عن ظهرها إلى الأرض فأوهنته؛ فقال: والله لأقتلنّك،