فلما كان ليلة الأربعاء ثامن شهر رجب المذكور رسم السلطان الملك الأشرف بسفره إلى ثغر دمياط برغبة الملك الظاهر تمربغا في ذلك، فلما كان بين العشاءين من ليلة الأربعاء خرج الملك الظاهر تمربغا من قاعة البحرة وفي خدمته الخدّام وغيرهم، وسار من الحوش السلطانى إلى داخل الحريم، وعرف الملك الأشرف قايتباى وقت خروجه من البحرة، فقام من خرجة القصر مسرعا في مشيه إلى أن وافى الملك الظاهر تمربغا بدهليز الدّور السلطانية عند الشيخ البردينى، فبادره السلطان الملك الأشرف قايتباى بالسّلام، فاعتنقه وأهوى إلى يده ليقبلها، فمنعه الملك الظاهر تمربغا من ذلك، ثم أخذ الأشرف في الاعتذار له مما وقع منه، والملك الظاهر يقبل منه عذره «١» ، ويظهر له الفرح التام بسلطنته، لأنه خچداشه، وآمن على نفسه في دولته، هذا والملك الأشرف مستمرّ على إكرامه وتعظيمه إلى غاية ما يكون، ثم تكلّم معه سرّا في خلوة؛ لأن السلطان كان حضر معه الأتابك جانبك قلقسيز، ويشبك من مهدى، وتمر حاجب الحجاب، وجماعة أخر من خواصّ الملكين وخچداشيتهما، وطال الوقوف بينهما ساعة جيدة، ثم تعانقا وتباكيا، وافترقا على أحسن وجه وأجمل حال.
ثم نزل الملك الظاهر تمربغا وركب فرسا كعادته من خيله الجياد بعد أن ودعه أيضا الأمراء الذين كانوا جاءوا مع الملك الأشرف، ولما قبّل الأمير يشبك من مهدى يد الملك الظاهر تمربغا دفع له ألفى دينار، وقنطارى سكر مكرر، وغير ذلك.
وسار الملك الظاهر تمربغا من القلعة إلى ساحل النيل وهو في غاية الحشمة في مسيره من غير أوجاقى يركب خلفه بالسكين كما هى عادة الأمراء ولا غير ذلك، والذين ساروا معه غالبهم كالمودعين له، فلما وصل إلى المركب نزل إليها بعد أن ودعه من كان وصل معه إلى البحر من أعيان خچداشيته الأمراء، وسافر من وقته من غير