وضياعها على رواب وتلال مثل الكواكب، وقد أحاطت بها المياه من كل وجه؛ وثلاثة أشهر مسكة سوداء، فإن في شهر بابه (وهو تشرين الأول) وهاتور (وهو تشرين الثاني) وكيهك (وهو كانون الأول) ينكشف الماء عنها فتصير أرضها سوداء وفيها تقع الزراعات؛ وثلاثة أشهر زمردة خضراء، فإن في شهر طوبة (وهو كانون الثانى) وأمشير (وهو شباط) وبرمهات (وهو آذار) تلمع ويكثر حشيشها ونباتها، فتصير مصر خضراء كالزمردة؛ وثلاثة أشهر سبيكة حمراء وهو وقت إدراك الزرع وهو شهر برمودة (وهو نيسان) وبشنس (وهو أيار) وبؤونة (وهو حزيران) ، ففي هذه الشهور تبيض الزروع ويتورد العشب فهو مثل السبيكة الذهب.
وقيل: إنه لما ولي عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر أتاه أهلها حين دخل بؤونة من أشهر القبط المذكورة فقالوا له: أيها الأمير، إن لنيلنا عادة أو سنة لا يجري إلا بها؛ فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إنه إذا كان في اثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر (يعني بؤونة) عمدنا إلى جارية بكر من عند أبويها وأرضينا أبويها وأخذناها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل فيجري؛ فقال لهم عمرو ابن العاص: إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى لا يجري النيل قليلاً ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء؛ فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه عمر بن الخطاب: قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد أرسلنا إليك ببطاقة ترميها في داخل النيل إذا أتاك كتابي.
فلما قدم الكتاب على عمرو بن العاص رضي الله عنه فتح البطاقة فإذا فيها: