أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار الذي يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك» .
فعرّفهم عمرو بكتاب أمير المؤمنين وبالبطافة؛ ثم ألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم عيد الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها لأنه لا يقيم بمصالحهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم عيد الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، وقطع تلك السنة القبيحة عن أهل مصر ببركة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ونظير ذلك أمر قرافة مصر ودفن المسلمين بها. فقد روينا بإسناد عن ابن عبد الحكم حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث بن سعد: سأل المقوقس عمرو ابن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فعجب عمرو من ذلك وقال: أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: سله لم أعطاك به ما أعطاك، وهي لا تزرع ولا يستنبط بها ماء ولا ينتفع بها! فسأله، فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب أن فيها غراس الجنة؛ فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: إنا لا نعلم غراس الجنة ألا للمؤمنين، فاقبر فيها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعه بشيء. فكان أول من قبر فيها رجل من المعافر يقال له:
عامر [فقيل عمرت «١» ] .
قلت: والقرافة سميت بطائفة من المعافر يقال لهم القرافة، نزلوا هناك.
*** وقال بعض علماء الهيئة: إن مصر واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث، ومعظمها في الثالث.
وقال أبو الصلت: هي مسافة أربعين يوماً طولاً في ثلاثين يوماً عرضاً.