وقال غيره: هي مسافة شهر طولاً في شهر عرضاً. وطولها من الشجرتين اللتين ما بين رفح والعريش إلى مدينة أسوان من صعيد مصر الأعلى؛ وعرضها من آيلة إلى برقة، ويكتنفها جبلان متقاربان من مدينة أسوان المذكورة إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط (يعني إلى مصر) ، ثم يتسع بعد ذلك ما بينهما وينفرج قليلا، ويأخذ الجبل المقطم منهما مشرقاً والآخر مغرباً على وراب متسع من مصر إلى ساحل البحر الرومي، وهناك تنقطع في عرضها الذي هو مسافة ما بين أوغلها فى الجنوب وأوغلها في الشمال.
وقال بعض الحكماء: ليس في الدنيا نهر يصب في بحر الروم والصين والهند غير النيل. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال غير النيل. وليس فى الدنيا نهر يزيد فى أشدّ ما يكون من الحر غير النيل. وليس في الدنيا نهر يزيد وينقص على ترتيبٍ فيهما غير النيل. وليس في الدنيا نهر يزيد إذا نقص مياه الدنيا غير النيل.
وبهذا النيل أشياء لم تكن في غيره من الأنهار، من ذلك: السمكة الرّعّادة التي إذا وضع الشخص يده عليها اضطرب جسمه جميعه حتى يرفع يده عنها، ومنها التمساح ولم يكن في غيره من المياه؛ وفي مصر أعاجيب كثيرة.
وقال الكندي في حق مصر وأعمالها: جبلها مقدس، ونيلها مبارك، وبها الطور حيث كلم الله تعالى نبيه موسى، وبها الوادي المقدس، وبها ألقى موسى عصاه وبها فلق الله البحر لموسى، وبها ولد موسى وهارون عليهما السلام ويوشع بن نون ودانيال وأرميا ولقمان وعيسى بن مريم، ولدته أمه بأهناس، وبها النخلة التي ذكرها الله تعالى لمريم؛ ولما سار عيسى إلى الشأم وأخذ على سفح المقطم ماشياً، عليه جبة صوف مربوط الوسط بشريط وأمه تمشي خلفه، فالتفت إليها وقال: يا أماه،