فانتهبوا بعض القرى المتطرّفة مثل إسنا وأتفو «١» وظواهر هما؛ فأجفل أهل الصعيد عن أوطانهم؛ وكتب عامل الخراج إلى عنبسة يعلمه بما فعلته البجاة، فلم يمكن عنبسة كتم هذا الخبر عن الخليفة المتوكّل على الله جعفر؛ فكتب إليه بجميع ما فعلته البجاة؛ فلمّا وقف على ذلك أنكر على ولاة الناحية تفريطهم «٢» ؛ ثم شاور المتوكّل فى أمرهم أرباب الخبرة بمسالك تلك البلاد؛ فعرّفوه أنّ المذكورين أهل بادية وأصحاب إبل وماشية؛ وأنّ الوصول إلى بلادهم صعب لأنّها بعيدة عن العمران، وبينها وبين البلاد الإسلاميّة برارىّ موحشة ومفاوز معطشة وجبال مستوعرة، وأنّ التكلف الى قطع تلك المسافة وهى أقلّ ما تكون مسيرة شهرين من ديار مصر، ويريد المتوجّه أن يستعدّ بجميع ما يحتاج إليه من المياه والأزواد والعلوفات، ومتى ما أعوزه شىء من ذلك هلك جميع من معه من الجند وأخذهم البجاة قبضا باليد. ثم إنّ هؤلاء الطائفة متى طرقهم طارق من جهة البلاد الإسلامية طلبوا النّجدة ممّن يجاورهم من طريق النّوبة، وكذلك النوبة طلبوا النجدة من ملوك الحبوش، وهى ممالك متصلة بشاطئ نهر النيل حتى تنتهى بمن قصده السير الى بلاد الزّنج، ومنها الى جبل القمر «٣» الذي ينبع منه النيل، وهى آخر العمران من كرة الأرض. وقد ذكر القاضى شهاب الدين بن فضل الله العمرىّ فى كتابه «مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار» : أنّ سكان هذه البلاد المذكورة لا فرق بينهم وبين الحيوانات الوحشيّة لكونهم حفاة عراة ليس على أحدهم من الكسوة ما يستره، وجميع ما يتقوّتون به من الفواكه التى تنبت عندهم فى تلك الجبال، ومن الأسماك التى تكون عندهم فى الغدران التى تجرى على