وجه الأرض من زيادة النيل، ولا يعترف أحد منهم بزوجة ولا بولد ولا بأخ وأخت؛ بل هم على صفة البهائم ينزو بعضهم على بعض. فلما وقف المتوكّل على ما ذكره أرباب الخبرة بأحوال تلك البلاد، فترت عزيمته عما كان قد عزم عليه من تجهيز العساكر. وبلغ ذلك محمد بن عبد الله القمّىّ وكان من القوّاد الذين يتولّون خفارة الحاج فى أكثر السنين، فحضر محمد المذكور الى الفتح بن خاقان وزير المتوكّل وذكر له أنه متى رسم المتوكّل الى عمّال مصر بتجهيزه عبر إلى بلاد البجاة، وتعدّى منها الى أرض النّوبة ودوّخ سائر تلك الممالك. فلما عرض الفتح حديثه على المتوكّل أمر بتجهيزه وسائر ما يحتاج إليه، وكتب إلى عنبسة بن إسحاق هذا، وهو يومئذ عامل مصر، أن يمدّه بالخيل والرجال والجمال وما يحتاج إليه من الأسلحة والأموال، وأن يولّيه الصعيد الأعلى يتصرّف فيه كيف شاء. وسار محمد حتى وصل إلى مصر، فعند ما وصلها قام له عنبسة بسائر ما اقترحه عليه، ونزل له عن عدّة ولايات من أعمال الصعيد، مثل قفط والقصير وإسنا وأرمنت وأسوان؛ وأخذ محمد بن عبد الله القمّىّ المذكور فى التّجهيز، فلمّا فرغ من استخدام الرجال وبذل الأموال، حمل «١» ما قدر عليه من الأزواد والأثقال، بعد أن جهّز من ساحل السويس سبع مراكب موقرة بجميع ما تحتاج عساكره إليه: من دقيق وتمر وزيت وقمح وشعير وغير ذلك. وعيّنت لهم الأدلّاء مكانا من ساحل البحر نحو عيذاب، يكون اجتماعهم فيه بعد مدّة معلومة.
ثم رحل محمد من مدينة قوص مقتحما تلك البرارى الموحشة، وقد تكامل معه من العسكر سبعة آلاف مقاتل غير الأتباع، وسار حتى تعدّى حفائر الزمرّذ، وأوغل فى بلاد القوم حتى قارب مدينة دنقلة، وشاع خبر قدومه إلى أقصى بلاد السودان؛ فنهض ملكهم- وكان يقال له على بابا- إلى محاربة العسكر الواصل مع محمد المذكور، ومعه من