للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلك الطوائف المقدّم ذكرها أمم لا تحصى، غير أنهم عراة بغير ثياب، وأكثر سلاحهم الحراب والمزاريق، ومراكبهم البخت النّوبية الصّهب، وهى على غاية من الزّعارّة «١» والنّفار؛ فعند ما قاربوا العساكر الإسلاميّة وشاهدوا ما هم عليه من التجمّل والخيول والعدد وآلات الحرب فلم يقدروا على محاربتهم، عزموا «٢» على مطاولتهم حتى تفنى أزوادهم وتضعف خيولهم ويتمكنوا منهم كيفما أرادوا؛ فلم يزالوا يراوغونهم مراوغة الثعالب، وصاروا كلّما دنا منهم محمد ليواقعهم يرحلون من بين يديه من مكان إلى مكان، حتى طال بهم المطال وفنيت الأزواد، فلم يشعروا إلّا وتلك المراكب قد وصلت إلى الساحل، فقويت بها قلوب العساكر الإسلامية؛ فعند ذلك تيقّنت السّودان أن المدد لا ينقطع عنهم من جهة الساحل، فصمّموا على محاربتهم ودنوا إليهم فى أمم لا تحصى. فلما نظر محمد إلى السودان التى أقبلت عليه انتزع جميع ما كان فى رقاب جمال عساكره من الأجراس، فعلّقها فى أعناق خيوله، وأمر أصحابه بتحريك الطبول وبنفير «٣» الأبواق ساعة الحملة؛ وتم «٤» واقفا بعساكره وقد رتّبها ميامن ومياسر بحيث لم يتقدّم منهم عنان عن عنان؛ وزحفت السودان عليه وهو بموقفه لا يتحرّك حتى قاربوه، وكادت تصل مزاريقهم الى صدر خيوله؛ فعند ذلك أمر أصحابه بالتكبير، ثم حمل بعساكره على السودان حملة رجل واحد وحرّكت نقّاراته وخفقت طبوله، وعلا حسّ تلك الأجراس، حتى خيّل للسودان أنّ السماء قد انطبقت على الأرض، فرجعت جمال السودان عند ذلك «٥» جافلة على أعقابها، وقد تساقط عن ظهورها أكثر ركّابها؛ واقتحم عساكر الإسلام السودان فقتلوا من ظفروا به منهم، حتى كلّت أيديهم وامتلأت تلك الشّعاب والبرارى بالقتلى، حتى حال «٦» بينهم الليل. وفات المسلمين