فى ولاية يزيد بن عبد الله هذا، وهو المقياس الكبير المعروف بالجديد. وقدم من العراق محمد بن كثير الفرغانىّ المهندس فتولّى بناءه؛ وأمر المتوكّل بأن يعزل النّصارى عن قياسه؛ فجعل يزيد بن عبد الله أمير مصر على القياس أبا الرّدّاد الفقيه المعلّم، واسمه عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله بن أبى الرّدّاد المؤذن وكان القمّىّ «١» يقول:
أصل أبى الرّدّاد هذا من البصرة. وذكر الحافظ ابن يونس قال: قدم مصر وحدّث بها وجعل على قياس النيل، وأجرى عليه سليمان بن وهب صاحب خراج مصر سبعة «٢» دنانير فى كلّ شهر، فلم يزل القياس من ذلك الوقت فى أيدى أبى الرّدّاد وأولاده الى يومنا هذا. ومات أبو الردّاد المذكور فى سنة ست «٣» وستين ومائتين.
قلت: وهذا المقياس هو المعهود الآن، وبطل بعمارته كلّ مقياس كان بنى قبله من الوجه القبلىّ والبحرىّ بأعمال الديار المصرية. واستمرّ على ذلك الى أن ولى الأمير أبو العباس أحمد بن طولون الدّيار المصريّة، وركب من القطائع فى بعض الأحيان فى سنة تسع وخمسين ومائتين ومعه أبو أيّوب صاحب خراجه والقاضى بكّار بن قتيبة الحنفىّ الى المقياس وأمر بإصلاحه وقدّر له ألف دينار.
قلت: وأما مصروف عمارة هذا المقياس فشىء كثير، وبنى بعد تعب زائد وكلفة كبيرة يطول الشرح فى ذكرها؛ وفى النظر الى بنائه ما يغنى عن ذكر مصروف عمارته. وبنى أيضا الحارث مقياسا بالصناعة «٤» لا يلتفت اليه ولا يعتمد عليه ولا يعتدّ به، وأثره باق الى اليوم.