وقال الحسن بن محمد بن عبد المنعم: لما فتحت العرب مصر عرّف عمرو بن العاص عمر بن الخطاب ما يلقى أهلها من الغلاء عند وقوف النيل عن حدّ مقياس لهم فضلا عن تقاصره، وأن فرط «١» الاستشعار يدعوهم الى الاحتكار، ويدعو الاحتكار الى تصاعد الأسعار بغير قحط. فكتب عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص يسأله عن شرح الحال؛ فأجابه عمرو: إنى وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها أربعة عشر ذراعا، والحدّ الذي تروى منه الى سائرها حتى يفضل منه عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا، والنّهايتان المخوفتان فى الزيادة والنّقصان، وهما الظمأ والاستبحار، اثنا عشر ذراعا فى النقصان وثمانية عشر ذراعا فى الزيادة. وكان «٢» البلد فى ذلك الوقت محفور الأنهار معقود الجسور عند ما تسلّموه من القبط، وخميرة «٣» العمارة فيه.
قلت: وقد تقدّم ذكر ما تحتاج مصر اليه من الرجال للحرث والزراعة وحفر لجسور، وكميّة خراج مصر يوم ذاك وبعده فى أوّل هذا الكتاب عند ذكر النيل، فلا حاجة لذكره هنا ثانيا اذ هو مستوعب هناك. ولم نذكر هنا هذه الأشياء إلا استطرادا لعمارة هذا المقياس المعهود الآن فى أيام صاحب هذه الترجمة؛ فلزم من ذلك التعريف بما كان بمصر من صفة كلّ مقياس ومحلّه وكيفيّته، ليكون الناظر فى هذا الكتاب على بصيرة بما تقدّم من أحوال مصر.
ولما وقف عمر بن الخطاب على كتاب عمرو بن العاص استشار عليّا رضى الله عنهما فى ذلك؛ ثم أمره أن يكتب اليه ببناء مقياس، وأن ينقص ذراعين من