لك منها فى السنة ما قدره مائة ألف دينار؛ فبات أحمد بن طولون ليلته وقد حرّكه قول ابن دشومة، فرأى فيما يرى النائم صديقا له كان من الزهّاد مات لمّا كان ابن طولون بالثغر قبل دخوله الى مصر، وهو يقول له: بئس ما أشار عليك ابن دشومة فى أمر الارتفاق «١» ، واعلم أنه من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه؛ فارجع الى ربّك، وإن كان التكاثر والتفاخر قد شغلاك عنه فى هذه الدنيا. فأمض ما عزمت عليه وأنا ضامن لك من الله تعالى أفضل العوض منه قريبا غير بعيد.
فلما أصبح أحمد بن طولون دعا ابن دشومة فأخبره بما رأى فى نومه؛ فقال له ابن دشومة: أشار عليك رجلان: أحدهما فى اليقظة والآخر فى المنام، وأنت لمن فى اليقظة أوجد وبضمانه أوثق؛ فقال ابن طولون: دعنى من هذا؛ وأزال جميع المظالم ولم يلتفت الى كلامه. ثم ركب أحمد بن طولون الى الصيد، فلما سار فى البرّيّة انخسفت الأرض برجل فرس بعض أصحابه فى قبر فى وسط الرمل؛ فوقف أحمد بن طولون عليه وكشفه فوجد مطلبا واسعا، فأمر بحمله فحمل منه من المال ما قيمته ألف ألف دينار؛ فبنى منه هذا الجامع والبئر «٢» بالقرافة الكبرى والبيمارستان «٣» بمصر ووجوه البرّ؛ ثم دعا بابن دشومة المقدّم ذكره وقال: والله لولا أنّى أمّنتك لصلبتك، ثم بعد مدّة صادره واستصفى أمواله، وحبسه حتى مات.
وقيل: إن ابن طولون لما فرغ من بناء جامعه المذكور أمر حاشيته بسماع ما يقول الناس فيه من الأقوال والعيوب؛ فقال رجل: محرابه صغير، وقال آخر: ما فيه