فكانت إذا وافت المنزلة وجدت قصرا قد فرش، فيه جميع ما تحتاج إليه. وقد علّقت فيه الستور وأعدّ فيه كلّ ما يصلح لمثلها. وكانت في مسيرها من مصر الى بغداد على بعد الشّقة كأنّها في قصر أبيها، حتى قدمت بغداد في أوّل المحرّم سنة اثنتين وثمانين ومائتين؛ وهى سنة قتل فيها خمارويه المذكور، على ما سيأتى ذكره.
ولمّا دخل بها الخليفة المعتضد أحبّها حبّا شديدا لجمال صورتها وكثرة آدابها.
قيل: إنّه خلا بها في بعض الأيّام فوضع رأسه على ركبتها ونام، وكان المعتضد كثير التحرّز على نفسه؛ فلما نام تلطّفت به وأزالت رأسه عن ركبتها ووضعتها على وسادة، ثم تنحّت عن مكانها وجلست بالقرب منه في مكان آخر؛ فانتبه المعتضد فزعا ولم يجدها، فصاح بها فكلمته في الحال؛ فعتبها على ما فعلت من إزالة رأسه عن ركبتها، وقال لها: أسلمت نفسى لك فتركتنى وحيدا وأنا في النوم لا أدرى ما يفعل بى! فقالت «١» : يا أمير المؤمنين، ما جهلت قدر ما أنعمت به علىّ، ولكن فيما أدّبنى به والدى خمارويه: أنى لا أجلس مع النّيام ولا أنام مع الجلوس؛ فأعجبه ذلك منها الى الغاية. قلت: لله درّها من جواب أجابته به!.
ولمّا فرغ خمارويه من جهاز ابنته قطر الندى المذكورة وأرسلها إلى زوجها المعتضد بالله، تجهّز وخرج إلى دمشق بعساكره، وأقام بها إلى أن قتل على فراشه فى السنة المذكورة.
قال العلامة شمس الدين في تاريخه مرآة الزمان: كان خمارويه كثير الفساد بالخدم، دخل الحمّام مع جماعة منهم فطلب من بعضهم الفاحشة فامتنع الخادم