الفرسان طمعا فيمن بقى له ممّن كاتبه، فلم يأته أحد وسار وحده وفرّ عنه من كان معه أيضا، وبقى كاللّيث يحمل على قطعة قطعة فينقضها وتنهزم منه، حتى برز له غلام أسود خصىّ يعرف بصندل المزاحمى- مولى مزاحم بن خاقان الذي كان أميرا على مصر، وقد تقدّم ذكره- فحمل عليه ربيعة فرمى صندل بنفسه الى الأرض وقال له:
بتربة «١» الماضى، فكفّ عنه وقال له: امض الى لعنة الله، ثم برز إليه غلام آخر يعرف بأحمد غلام الكفتىّ- والكفتىّ أيضا كان من جملة قوّادهم- فحمل عليه ربيعة فقتله، وأقبل ربيعة يحمل على الناس ميمنة وميسرة ويحملون عليه بأجمعهم فيكدّونه ويردّونه الى الصحراء ثم يرجع عليهم فيردّهم الى موضعهم؛ فلم يزل هذا دأبّة الى الزوال فتقطّر «٢» عن فرسه فأكبّوا عليه ورموا بأنفسهم عليه حتى أخذوه مقانصة فاعتقل «٣» يومه ذلك؛ فلما كان من الغد أمر أن يضرب مائة سوط ووكّل به الكفتىّ القائد ليأخذه بثأر غلامه، فكان الكفتىّ يحضّ الجلّادين ويصيح عليهم ويأمرهم بأن يوجعوا ضربه حتى استرخى، وقيل: إنه مات، فقال الكفتىّ: هيهات! لجم البقر لا ينضج سريعا! فضرب أسواطا بعد موته ثم أمر به فدفن في حجرة بقرب من بئر الجلودىّ ومنع أن يدفن مع أهله. فلما كان من غد يوم دفنه بلغ سودان أبيه أن الكفتىّ قال: لحم البقر لا ينضج سريعا، وأنه ضربه بعد أن مات أسواطا، فغاظهم ذلك وحرّكهم عليه وزحفوا الى داره، وبلغه الخبر فتنحّى عنها، فجاءوا داره فلم يجدوه فنهبوا داره ولم يكن له علم بذلك، فأخذوا منها شيئا كثيرا حتى تركت حرمته عريانة فى البيت لا يواريها شىء، ورجع الكفتىّ الى داره فرأى نعمته قد سلبت وحرمته قد هتكت، فدخل قلبه من ذلك حسرة فمات كمدا «٤» بعد أيام.