للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثبت ملك هارون هذا وهو صبىّ يدبّر ولا يحسن [أن] يدبّر، والأمر كلّه مردود الى أبى جعفر بن أبىّ يدبّر كما يرى. فلما رأى غلمان أبيه الكبار الأمر كلّه لأبى جعفر، وهم بدر وفائق وصافى. قبض كلّ منهم على قطعة من الجيش وحازها لنفسه وجعلها مضافة له يطالب عنهم ما يستحقّونه من رزق وجراية وغيرها، وسأل أن يكون ما لهم محمولا الى داره يتولّى هو عطاءهم، فصار عطاء «١» كل طائفة من الجند الى دار الذي صارت في جملته وصاروا له كالغلمان. ثم خرج بدر القائد والحسن بن أحمد الماذرائىّ الى الشأم فأصلحوا أمرها، واستخلفوا على دمشق من قبل هارون المذكور الأمير طغج؛ ابن جفّ، وقرّروا جميع أعمال الشامات «٢» ثم عادوا الى مصر. ثم حجّ بدر المذكور فى السنة وأظهر زيّا حسنا وأنفق نفقة كثيرة وأصلح من عقبة «٣» أيلة جرفا كبيرا.

ولمّا كان في السنة المقبلة حجّ فائق فزاد في زيّه ونفقاته على كلّ ما فعله بدر؛ وكان دأبهم المنافسة في حسن الزّىّ وبسط اليد بالإنفاق في وجوه البرّ. وبنى بدر الميضأة المعروفة به على باب الجامع العتيق، ووقف عليها القيسارية الملاصقة لها، وجعل مع الميضأة ماء عذبا في كيزان توضع في حلقة من حلق المسجد؛ وكان صاحب صدقات بدر رجل يعرف بالليث بن داود، فكان الشخص يرى المساكين زمرا زمرا يتلو بعضهم بعضا ينادون في الطريق: دار الليث، دار الليث! فيعطيهم الليث الدراهم واللحم المطبوخ ويكسوهم في الشتاء الجباب الصوف ويفرّق فيهم الأكسية؛ وتمّ ذلك أيام حياة بدر كلّها؛ وكان لصافى وفائق أيضا أعمال مثل