ذلك وأكثر. قال محمد بن عاصم العمرىّ- وكان من علماء الناس- قال:
صرت الى مصر فلم يحتف «١» بى أحد غير أبى موسى هارون بن محمد العباسىّ، فصار يحضر لى مائدة ويباسطنى في محادثته، وحملنى ذلك على أن استحييته، فقال لى:
أنا أعرف بصدقك فيما ذكرت وليس يرضينى لك ما ترى، لأن [هذه] أشياء تقصر عن مرادى، ولكنى سأقع «٢» لك على موضع يرضيك ويرضينى فيك؛ ودام على ذلك مدّة لا يقطع عنّى عادته؛ الى أن توفّى لها رون صاحب مصر ولد صغير، فبادر هارون بإخراجه والصلاة عليه وصرنا به الى الصحراء، فما وضع عن أعناق حامليه حتى أقبل موكب عظيم فيه بدر وفائق وصافى موالى أبى الجيش خمارويه، ومحمد بن أبّى وجماعة، فقالوا: نصلّى عليه؛ فقال هارون: قد صلّيت عليه؛ فقالوا: لا بدّ أن نصلّى عليه؛ فقال هارون بن محمد العباسىّ: ادعوا الىّ محمد بن عاصم العمرىّ، وكنت فى أخريات الناس، فلم يزالوا قياما ينتظروننى حتى أتيت؛ فقال لى: صلّ بهم، فصلّيت بهم؛ وانصرفنا «٣» ؛ فلمّا كان بعد يومين قال لى: قد عرّفت بك هؤلاء القوم فامض اليهم فإنّك تنال أجرا كبيرا؛ قال: فصرت الى أبوابهم وسلّمت عليهم، فلم يمض أقلّ من شهر حتى نالنى منهم مال كثير وحسنت حالى الى الغاية، ثم ذكر عن هؤلاء القوم من هذه الأشياء نبذا «٤» كثيرة.
وأمّا أمر هارون صاحب الترجمة فانه لمّا تمّ أمره صار «٥» أبو جعفر بن أبىّ هو مدبّر مملكته، وكان أبو جعفر عنده دهاء ومكر فبقى في قلبه [أثر «٦» ] مما فعله برمش