ثم بعدهما لنفسه؛ وتسامع الناس به فوافوه من كلّ فجّ لما في نفوسهم من تشتّتهم عن بلادهم وأولادهم وأوطانهم، وصار الجميع من حزب محمد المذكور من غير بذل دينار ولا درهم. وبلغ عيسى النّوشرىّ صاحب الترجمة وهو بمصر ما كان من أمر محمد بن علىّ الخلنجىّ، فجّهز عسكرا إلى العريش في أسرع وقت من البحر، وساروا حتى وافوا غزّة، فتقدّم إليهم محمد بن علىّ الخلنجىّ بمن معه، فلما سمعوا به رجعوا إلى العريش، فسار محمد الخلنجىّ بمن معه خلفهم الى العريش، فانهزموا أمامه إلى الفرما ثم ساروا من الفرما إلى العبّاسة «١» ، ونزل محمد الخلنجىّ الفرما مكانهم؛ فلما سمع عيسى النوشرىّ ذلك خرج من مصر بعسكر ضخم حتى نزل العبّاسة، ومعه أبو منصور الحسين بن أحمد الماذرائىّ عامل خراج مصر وشفيع اللؤلؤيّ صاحب البريد، ورحل محمد الخلنجىّ حتى نزل جرجير؛ فلما سمع عيسى النوشرىّ قدومه الى جرجير كرّ راجعا إلى مصر ونزل على باب مدينة مصر، فأتاه الخبر بقدوم محمد ابن على الخلنجىّ المذكور، فدخل إلى المدينة ثم خرج منها ومعه أبو زنبور وعدا جسر مصر في يوم الثلاثاء رابع عشر ذى القعدة سنة اثنتين وتسعين ومائتين؛ ثم أحرق عيسى النوشرىّ جسرى «٢» المدينة الشرقىّ والغربىّ جميعا حتّى لم يبق من مراكبهما مركبا واحدا- يعنى أنّ الجسر كان معقودا على المراكب- وهذه كانت عادة مصر تلك الأيّام. ونزل عيسى النوشرىّ وأقام ببرّ الجيزة، وبقيت مدينة مصر بلا وال عليها ولا حاكم فيها، وصارت مصر مأكلة للغوغاء يهجمون [على] البيوت ويأخذون الأموال من غير أن يردّهم أحد عن ذلك، فإنّ عيسى النوشرىّ ترك مصر وأقام ببرّ الجيزة خوفا من محمد المذكور؛ فقوى لذلك شوكة محمد الخلنجىّ واستفحل أمره، وسار من جرجير حتى دخل مدينة مصر في يوم سادس عشرين ذى القعدة من السنة من