القاهر أرزاق الجند فسكنوا، واستقامت له الأمور وعظم في القلوب، وزيد في ألقابه:
«المنتقم من أعداء دين الله» ، ونقش ذلك على السّكّة. وفيها أمر القاهر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنّين، ونفى المخنّثين، وكسر آلات اللهو، وأمر بتتبّع المغنّيات من الجوارى، وكان هو مع ذلك يشرب المطبوخ ولا يكاد يصحو من السكر. وفيها عزل القاهر الوزير محمدا، واستوزر أبا العباس بن الخصيب. وفيها حجّ بالناس مؤنس الورقانىّ. وفيها توفّيت السيدة شغب أمّ الخليفة المقتدر بالله جعفر، كان متحصّلها فى السنة ألف ألف دينار، فتتصدّق بها وتخرج من عندها مثلها؛ وكانت صالحة. ولما قتل ابنها كانت مريضة، فقوى مرضها وامتنعت من الأكل حتى كادت تهلك؛ ثم عذّبها القاهر حتى ماتت. ولم يظهر لها إلا ما قيمته مائة وثلاثون ألف دينار؛ وكان لها الأمر والنهى في دولة ابنها. وفيها قتل مؤنس الخادم، وكان لقّب بالمظفّر لمّا عظم أمره، وكان شجاعا مقداما فاتكا مهيبا، عاش تسعين سنة، منها ستون سنة أميرا، وكان كل ما له في علوّ ورفعة، وكان قد أبعده المعتضد الى مكة. ولما بويع المقتدر بالخلافة أحضره وقرّبه وفوّض إليه الأمور، فنال من السعادة والوجاهة ما لم ينله خادم قبله. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدىّ الحجرىّ «١» المصرىّ الطّحاوىّ الفقيه الحنفى المحدّث الحافظ أحد الأعلام وشيخ الإسلام- وطحا «٢» : قرية من قرى مصر من ضواحى القاهرة بالوجه البحرىّ- قال ابن يونس «٣» : ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين. وسمع هارون بن سعيد