للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يتخلَّفن منكم أحدٌ عن طعامى، قالوا: ما تخلّف أحدٌ إلّا غلام هو أحدث القوم سِنًّا فى رِحالهم، فقال: ادعوه فليحضر طعامى فما أقبح أن تحضروا ويتخلّف رجل واحدٌ مع أنى أراه من أنفَسكم، فقال القوم: هو والله أوسطنا نَسَبًا وهو ابن أخى هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب بن عبد مَناف: والله إن كان بنا لَلُؤمٌ أن يتخلّف ابن عبد المطلب من بيننا، ثمّ قام إليه فاحتضنه وأقبلَ به حتى أجلَسَه على الطعام، والغَمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء فى جسده قد كان يجدها عنده من صفته (١).

فلمّا تفرَّقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحقّ اللَّات والعُزَّى إلّا أخبرتنى عمّا أسألك، فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تسْألْنى باللّات وَالعُزّى فَوَاللهِ مَا أبْغَضْتُ شَيْئًا بُغْضَهُمَا! قال: فبالله إلّا أخبرتَنى عمَّا أسألك عنه! قال: سَلْنى عما بَدَا لكَ، فجعل يسأله عن أشْياءَ من حاله حتى نَومه، فجعل رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثمّ جعل ينظر بين عينيه، ثمّ كشَفَ عن ظَهرِه فرأى خاتَم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التى عنده، قال: فقبَّل موضع الخاتَم، وقالت قريش: إنّ لمحمد عند هذا الراهب لَقَدْرًا، وجعل أبو طالب، لما يرى مِن الراهب، يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبى طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابنى، قال: ما هو بابنك، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًّا، قال: فابن أخى: قال: فما فعلَ أبوه؟ قال: هَلَك وأُمّه حُبْلَى به، قال: فما فعلت أمّه؟ قال: توفّيت قريبًا، قال: صَدقتَ، ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعَرفوا منه ما أعرف لَيَبْغُنّه عَنَتًا، فإنّه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده فى كُتبنا وما روينا عن آبائنا، واعلم أنى قد أدّيتُ إليك النصيحة. فلمّا فَرَغوا من تجاراتهم خرج به سريعًا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعَرَفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بَحيرا فَذَاكروه أمرَه فنهاهم أشدّ النهى وقال لهم:


(١) نفس المصدر والجزء والصفحة.