بنت المسور، وأبي عون، قالا: أصاب المسورَ بن مخرمة حَجَرٌ من المنجنيقِ ضَرَبَ البَيتَ، فانفلق منه فلقةٌ، فأصابت خَدَّ المسور وهو قائم يصلّى، فمرض منها أيامَا، ثمّ هَلَكَ في اليوم الذى جاء فيه نعى يزيدُ بن معاوية بمكّة، وابنُ الزبير يومئذ لا يتسمّى بالخلافة، الأمْرُ شُوْرَى (١).
قال محمّد بن عمر: فذكرت ذلك لشرحبيل بن أبي عون. فقال: أخبرنى أبي، قال: قال لى المسور بن مخرمة: يا مولى عبد الرحمن، صُبَّ لى وَضُوْءًا. فقلت: أين تذهب؟ فقال: إلى المسجد. فصببت له وَضُوءًا فأسبغ الوضوء، وخرج وعليه درع له خفيفٌ يَلْبَسُها إذا لم يكن له قتال، فلمّا بلغ الحِجْرَ قال: خُذْ دِرْعِى. قال: فأخذْتُها فلبسْتُها، وجلستُ قريبًا منه، والحجارة يُرْمى بها البيتُ، وهو يصلى في الحِجْر، فجئتُ فقمتُ إلى جنبه، فقلْتُ: أى مولاى، إنى أرى الحجارة اليوم كثيرة، فلو لبستَ درعكَ ومِغْفَركَ، أو تحوّلْتَ عن هذا الموضع، أو رجعْتَ إلى منزلك، فإنى لا آمن عليك، فوالله ما يُغْنى شيئًا إنهم لعالون علينا، وإنما نحن لهم أغراض. فقال: ويحك، وهل بُدٌّ من الموت على كل حال؟ والله لأن يموتَ الرجلُ وهو على بَصِيْرَتِهِ نَاكِيًا لعدوّه أو مُبْليًا عُذْرًا حتّى يموتَ؛ أحسن وآجَرُ له من أن يدْخلَ مَدْخَلًا فيُدْخلَ عليه فيُساق إلى الموتِ فتُضْرَبُ عُنُقه على المذلّة والصَّغَار. ثم قال: هاتِ دَرْعى، فأخَذَها فَلَبِسَها، وأبى أن يَلْبَسَ المغفَر. قال: وتقبلُ ثلاثة أحجار من المنجنيق فيضرب الأول الركن الذى يلى الحجر فخرق الكعبة حتّى تغيّب، ثمّ اتّبعه الثانى في موضعه، ثمّ اتّبعه الثالث في موضعه، وقد سدّ الحجرُ الحِجْر، ثمّ رمى فَنَبَا الحَجَرُ وَتَكَسّرُ منه كِسْرَةٌ فتَضْرِب خَدَّ المسور وصدْغَه الأيسَرَ فَهَشَمَهُ هَشْمًا، قال: فَغُشِىَ عليه، واحتملْتُه أنا ومولًى له يُقال له: سُلَيْم. وجاء الخبرُ ابنَ الزبير، فأقبلَ يَعْدُو إلينا، فكان فيمن يحْمله، وأدْركنا مصعبُ بن عبد الرحمن، وعبيدُ بنُ عمير، فمكثَ يومه ذلك لا يَتَكَلَّمَ، حتّى كان من الليل فأفاقَ، وعَهِدَ ببعضِ ما يريدُ، وجعل
(١) أورده ابن عساكر كما في مختصر ابن منظور ج ٢٤ ص ٣٠٩. والذهبى في تاريخه وفيات سنة ٦٤ هـ.