للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقدم سعيد بن العاص المدينة وافدًا على عثمان فبعث إلى وجوه المهاجرين والأنصار بصلاتٍ وكُسًى، وبعث إلى عليّ بن أبى طالب أيضًا فقبل ما بعث إليه وقال عليّ: إنّ بنى أُميّة ليفوّقونى تراثَ محمد، - صلى الله عليه وسلم -، تفوّقًا، والله لئن بقيت لهم لأنفضنّهم من ذلك نَفْضَ القصّاب التِّرابَ الوَذِمَةَ (١). ثم انصرف سعيد بن العاص إلى الكوفة فأضَرّ بأهلها إضرارًا شديدًا وعمل عليها خمس سنين إلّا أشهرًا (٢).

وقال مرّة بالكوفة: من رأى الهلال منكم؟ وذلك في فطر رمضان، فقال القوم: ما رأيناه. فقال هاشم بن عُتْبة بن أبى وقّاص: أنا رأيتُه. فقال له سعيد بن العاص: بعينك هذه العوراء رأيتَه من بين القوم؟ فقال هاشم: تعيّرنى بعينى وإنّما فُقِئتْ في سبيل الله! وكانت عينه أصيبت يوم اليرْموك. ثمّ أصبح هاشم في داره مفطرًا وغدّى النّاسَ عنده، فبلغ ذلك سعيدَ بن العاص فأرسل إليه فضربه وحَرّق داره، فخرجت أمُّ الحَكَم بنت عُتْبة بن أبى وقّاص -وكانت من المهاجرات- ونافع بن أبى وقّاص من الكوفة حتى قدما المدينة فَذَكَرَا لِسَعْد بن أبى وقّاص ما صنع سعيد بهاشم، فأتى سعد عثمانَ فذكر ذلك له فقال عثمان: سعيد لكم بهاشم اضْربوه بضربه، ودار سعيد لكم بدار هاشم فأحرِقوها كما حرّق داره. فخرج عمر بن سعد بن أبى وقّاص وهو يومئذٍ غلام يسعى حتى أشعل النار في دار سعيد بالمدينة (٣).

فبلغ الخبر عائشة فأرسلت إلى سعد بن أبى وقّاص تطلب إليه وتسأله أن يكفّ، ففعل ورحل من الكوفة إلى عثمان الأشترُ مالك بن الحارث، ويزيد بن


(١) لدى ابن الأثير في النهاية (ترب) وفى حديث على "لئن وليت بنى أمية لأنفضنهم نفض القصّاب التِّرَابَ الوَذمِة" التِّراب: جمع تَرْب تخفيف تَرِب، يريد اللحوم التى تعفّرت بسقوطها في التُّراب. والوَذِمة: المنقطعة الأوذام، وهو السيور التى يُشدّ بها عُرَى الدلو. قال الأصمعى: سألنى شعبة عن هذا الحرف، فقلت: ليس هو هكذا، وإنما هو نَفْضُ القَصّاب الوِذَام التَّرِبَة، وهى التى قد سقطت في التراب. وقيل: الكُروش كلها تسمى تَرِبة؛ لأنها يحصل فيها التراب من المَرْتع، والوذمة التى أُخْمِل باطِنُها، والكروش وَذِمَة لأنها مُخْمَلَة ويقال لِخَمَلها الوذَم. ومعنى الحديث: لئن وَلِيتُهم لأُطَهِّرنّهم من الدَّنَس، ولأطَيَبَنَّهم بعد الخبث. وقيل: أراد بالقصاب السّبُع، والتَّراب أصل ذِراع الشاة، والسبع إذا أخذ الشاة قَبض على ذلك المكان ثم نفضها.
(٢) نفس المصدر.
(٣) المصدر السابق ص ٣٠٧.