للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: تهيّأ مصْعَب بن الزبير للخروج إلى عبد الملك وسار حتى أتَى بَاجُمَيرا -قرية على شطّ الفرات دون الأنبار بثلاثة فراسخ- فنزلها، وبلغ عبد الملك فجمع جنوده ثمّ سار فيهم يؤمّ العراق لقتال مصعب. وقال لرَوْح بن زِنْباع وهو يتجهّز: والله إنّ في أمر هذه الدنيا لعجبًا، لقد رأيتُنى، ومصعب بن الزبير أفْقدِهُ الليلة الواحدة من الموضع الذى نجتمع فيه فكأنّى والهٌ، ويفقدنى فيفعل مثل ذلك، ولقد كنتُ أوتى باللّطَف (١) فما أراه يجوز لى أكله حتى أبعث به إلى مصعب أو ببعضه، ثمّ صرنا إلى السيف، ولكنّ هذا الملك عقيم ليس أحد يريده من ولد ولا والد إلّا كان السيف.

وإنّما يقول هذا القول عبد الملك لأنّ خالد بن يزيد بن معاوية وعمرو بن سعيد بن العاص جالسان معه، فأرادهما به، وهو يومئذٍ يخافهما، قد عرف أنّ عمرو بن سعيد أطْوَع الناس عند أهل الشأم وخالد بن يزيد بن معاوية قد كان مروان أطمعه في العقد له بعده، فعقد مروان لعبد الملك ولعبد العزيز بعد عبد الملك، فأيس خالد، وهو مع عبد الملك على الطمع والخوف.

قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى يحيَى بن عبد الله بن أبي فَرْوة عن أبيه قال: لما سار عبد الملك من دمشق يؤمّ العراق إلى مصعب لقتاله، فكان دون بُطْنان حَبيب بليلة، جلس خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد فَتَذَاكرا أمر عبد الملك ومسيرهما معه على خديعة منه لهما ومواعيد باطلة. قال عمرو: فإنى راجع. فشجّعه خالد على ذلك، فرجع عمرو إلى دمشق فدخلها والسور يومئذٍ عليها وثيق، فدعا أهل الشأم فأسرعوا إليه.

وفقده عبد الملك وقال: أين أبو أميّة؟ فقيل له: رجع. فرجع عبد الملك بالناس إلى دمشق فنزل على مدينة دمشق فأقام عليها ستّ عشرة ليلة حتى فتحها عمرو له وبايعه، فصفح عنه عبد الملك ثمّ أجمع على قتله، فأرسل إليه يومًا يدعوه فوقع في نفسه أنّها رسالة شرّ، فركب إليه فيمن معه ولبس درعًا مكفّرًا بها ودخل على عبد الملك فتحدّث ساعة، وقد كان عهد إلى يحيَى بن الحكم إذا


(١) اللَّطَفُ: الهدية، واليسير من الطعام وغيره.