قال: وانتبه أبو العباس ففهم ما قال، فقال: يا أبا محمد، تتمثل بمثل هذا الشعر عندى! وقد رأيتَ صنيعى بك، وأنى لم أدَّخرك شيئًا. قال: يا أمير المؤمنين، هفْوة كانت والله ما أردت بها سوءًا، ولكنها أبيات خطرتْ فتمثلت بها، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان منى في ذلك فليفعل، قال: قد فعلتُ. ثم رجع إلى المدينة، فلما ولى أبو جعفر ألحَّ في طلب محمد وإبراهيم ابنى عبد الله بن حسن، وتغيّبا بالبادية، وأمر أبو جعفر زياد بن عُبيد الله الحارثى بطلبهما، فكان يُغيِّب في ذلك، ولا يجدّ في طلبهما، فعزله أبو جعفر عن المدينة وولَّاها محمد بن خالد بن عبد الله القسرى وأمره بطلبهما، فغيَّب أيضًا في ذلك ولم يبالغ وكان يعلم مكانهما فيرسل الخيل في طلبهما إلى مكان آخر. وبلغ ذلك أبا جعفر فغضب عليه فعزله وولَّى رِيَاحَ بن عثمان بن حيّان المُرّى، وأمره بالجِدّ في طلبهما وقلة الغفلة عنهما (١).
قال محمد بن عمر: فأخبرنى عبد الرحمن بن أبي الموالى، قال: فجدّ رياح بن عثمان في طلبهما ولم يُداهن واشتد في ذلك كل الشدّة حتى خافا وجعلا ينتقلان من موضع إلى موضع. واغتمّ أبو جعفر بتغيبهما فكتب إلى رياح بن عثمان أن يأخذ أباهما عبد الله بن حسن وإخوته حسن بن حسن وداود بن حسن وإبراهيم بن حسن ومحمد بن عبد الله بن عَمْرو بن عثمان -وهو أخوهم لأمهم فاطمة بنت حسين- في عدة منهم ويشدهم وثاقًا ويبعث بهم إليه حتى يوافوه بالرَّبذة، وكان أبو جعفر قد حجّ تلك السنة وكتب إليه أن يأخذنى معهم فيبعث بي إليه أيضًا.
قال: فأدركت وقد أهللت بالحج فأُخِذْتُ فَطُرِحْتُ في الحديد. وعُورض بي الطريق حتى وافيتهم بالرَّبذة.
قال محمد بن عمر: أنا رأيت عبد الله بن حسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان بعد العصر وهم في الحديد، فيُحملون محامل أعراء ليس تحتهم وطاء، وأنا يومئذٍ غلام قد راهقت الاحتلام أحفظ ما أرى.
(١) أورده ابن عساكر في تاريخه ص ١٦٦ نقلًا عن ابن سعد.