للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالت أمّ شريك: فجاءنى أهل أَبِى العَكَر فقالوا: لعلّكِ على دينه؟ قلت: إِى والله إنى لعلى دينه. قالوا: لَا جَرَم، والله لنعذّبنّكِ عذابًا شديدًا. فارتحلوا بنا من دارنا ونحن كنّا بذى الخَلَصَة وهو موضعنا. فساروا يريدون منزلًا وحملونى على جملٍ ثَفَال (١) شرّ رِكابهم وأغلظه، يطعمونى الخبز بالعسل ولا يسقونى قطرة من ماء، حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس، ونحن قائظون (٢)، فنزلوا فضربوا أخبيتهم وتركونى في الشمس حتى ذهب عقلى وسمعى وبصرى، ففعلوا ذلك بى ثلاثة أيّام، فقالوا لى في اليوم الثالث: اتركى ما أنتِ عليه. قالت فما دَرَيْت ما يقولون إلّا الكلمة بعد الكلمة، فأشير بإصبعى إلى السماء بالتوحيد. قالت: فوالله إنى لعلى ذلك، وقد بلغنى الجَهْد، إذ وجدت بَرْد دَلْوٍ على صدرى، فأخذته فشربت منه نَفَسًا (٣) واحدًا، ثمّ انتُزِع منّى، فذهبت أنظر فإذا هو معلَّق بين السماء والأرض، فلم أقدر عليه، ثم دُلِّىَ إليّ ثانية فشربت منه نَفَسًا، ثم رفع فذهبتُ أنظر، فإذا هو بين السماء والأرض، ثمّ دُلِّىَ إليّ الثالثة فشربت منه حتى رَوِيت، وأهرقت على رأسى ووجهى وثيابى. قالت: فخرجوا فنظروا فقالوا: من أين لك هذا يا عدوّة الله؟ قالت: فقلت لهم: إنّ عَدُوَّ (٤) الله غيرى، مَنْ خالف دِينَه، وأمّا قولكم من أين هذا، فمن عند الله رزقًا رزقنيه الله. قالت: فانطلقوا سراعًا إلى قِربِهم وأداواهم فوجدوها مُوكَأَة لم تُحَلّ، فقالوا: نشهد أنّ ربّك هو ربّنا، وأنّ الذى رزقك ما رزقك في هذا الموضع بعد أن فعلنا بك ما فعلنا هو الذى شرع الإسلام. فأسلموا وهاجروا جميعًا إلى رسول الله. وكانوا يعرفون فَضْلى عليهم وما صنع الله إليّ. وهى التى وهبت نفسها للنبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهى من الأَزْد، فعرضت نفسها على النبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكانت جميلة وقد أَسَنَّت فقالت: إنى أَهب نفسى لك، وأتصدّق بها عليك، فقبلها النبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت عائشة: ما في


(١) جمل ثَفال: بفتح الثاء المثلثة أى بطئ، وبكسر الثاء جلد يبسط تحت الرحى يسقط عليه الدقيق، ورواية ابن حجر في الإصابة ج ٨ ص ٢٣٩ "فحملونى على بعير ليس تحتى شئ موطَأ ولا غيره".
(٢) قائظون: أى في وقت القيظ وهو شدة الحر.
(٣) النفس بالتحريك: الجرعة.
(٤) كذا: ث، ح. ومثله لدى النويرى ج ١٨ ص ٢٠٣ وهو ينقل عن ابن سعد، وفى ل "إن عَدُوَّة الله".