وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ، ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ. وَمِنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ. وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ، وَإِنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ فَأَمَرَهُ بِخَلْعِهَا وَغَسْلِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِفِدْيَةٍ» ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ جَرِيمَةَ الْإِحْرَامِ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْحَالِقَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَا يُمْكِنُ تَلَافِي مَا فَعَلَهُ بِخِلَافِ اللَّابِسِ، وَالْمُتَطَيِّبِ، وَالْمُغَطِّي رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِإِزَالَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَمْدَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، لَكِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ خَطَأٌ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، (وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ) أَيْ: قَطَعَ مِنْهُ النُّسُكَ، (ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا) فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالرَّفْضِ وِفَاقًا، لِكَوْنِ أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ مَا فَعَلَهُ فِي الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ الْإِحْرَامَ كَفِعْلِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الرَّفْضِ، وَعَنْهُ: كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا، وَفِي التَّرْغِيبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": يَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ، وَالْإِغْمَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ، وَفِي مُفْرَدَاتِهِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَسُرْعَةُ الْحُصُولِ فَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا انْعَقَدَ، وَحُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ، (وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتَدَامَتُهُ، لَكِنْ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنْ طَيَّبَ ثَوْبَهُ لَهُ لُبْسُهُ مَا لَمْ يَنْزِعْهُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنِ ابْتِدَاءِ الطِّيبِ دُونَ اسْتَدَامَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِدَامَةِ لُبْسِ الْمُطَيَّبِ، (وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ) أَيْ: بَعْدَ إِحْرَامِهِ؛ لِقَوْلِهِ: «لَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانُ» (وَإِنْ أَحْرَمَ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ) أَوْ سَرَاوِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute