الْإِمَامُ حِصْنًا، لَزِمَهُ مُصَابَرَتُهُ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَمَّا فِي الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ رَضِيَتِ الْأُمُّ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِمَا فِيهِ ضَرَرُهَا، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ قَلْبُهَا فَتَنْدَمُ، وَحُكْمُ الْأَبِ مَعَ وَلَدِهِ كَالْأُمِّ وَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ كَهُمَا لِقِيَامِهمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْحَضَانَةِ، فَقَامَا مَقَامَهُمَا فِي تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ، وَكَذَا يَحْرُمُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَعُمُومُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، كَالْعَمَّةِ، وَابْنِ أَخِيهَا. جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوْلَى جَوَازُ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حِلُّ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُهُمْ بِمَنْ سَبَقَ (إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) هِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا. قِيلَ: إِلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ» ، وَلِأَنَّ الْأَحْرَارَ يَتَفَرَّقُونَ بِالتَّزْوِيجِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَالْعَبِيدُ أَوْلَى.
وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، لِعُمُومِ مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَةَ تَتَضَرَّرُ بِمُفَارَقَةِ وَلَدِهَا، وَلِهَذَا حَرُمَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَعَلَى الْمَنْعِ فَيُسْتَثْنَى التَّفْرِيقُ بِالْعِتْقِ، وَافْتِدَاءُ الْأَسْرَى، وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ إِذَا مَلَكَ أُخْتَيْنِ.
١ -
(وَإِذَا حَصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا، لَزِمَ مُصَابَرَتُهُ) مَهْمَا أَمْكَنَ (إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا) لِأَنَّ عَلَيْهِ فِعْلَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الِانْصِرَافِ جَازَ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ لِانْصِرَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حِصْنِ الطَّائِفِ قَبْلَ فَتْحِهِ، وَبِهِ يَزُولُ اللُّزُومُ. وَبِالْإِسْلَامِ، وَبِبَذْلِ الْمَالِ عَلَى الْمُوَادَعَةِ، سَوَاءٌ أَعْطَوْهُ جُمْلَةً، أَوْ جَعَلُوهُ خَرَاجًا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كُلَّ عَامٍ، وَبِالْفَتْحِ، وَبِالنُّزُولِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَبِالْهُدْنَةِ بِشَرْطِهَا. (فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute