أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ. وَإِنْ سَأَلُوهُ الْمُوَادَعَةَ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، جَازَ إِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ، وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، جَازَ إِذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. وَلَا يَحْكُمْ إِلَّا بِمَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَسْلَمُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) فَكَمُسْلِمٍ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» . . . . الْخَبَرَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِ حَيْثُ كَانَ، وَمَنْفَعَةُ إِجَارَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ (وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ) لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَحَمْلُ امْرَأَتِهِ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا مُسْلِمًا، وَالْمَجْنُونُ كَصَغِيرٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْصِمُ أَوْلَادَهُ الْكِبَارَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَتْبَعُونَهُ، وَلَا زَوْجَتَهُ كَذَلِكَ. (وَإِنْ سَأَلُوهُ الْمُوَادَعَةَ) وَهِيَ الْمُصَالَحَةُ، وَالْمُسَالَمَةُ (بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، جَازَ إِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ إِعْلَاءُ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَصَغَارُ الْكَفَرَةِ؛ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْمُوَادَعَةِ، فَيَجِبُ كَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ، وَشَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي عَقْدِهَا بِغَيْرِ مَالٍ عَجْزَ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِضْرَارَهُمْ بِالْمُقَامِ لِيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الِانْصِرَافِ.
(وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ، نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ إِذَا نَزَلُوا لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ، وَخُيِّرَ كَأَسْرَى. وَالْكَلَامُ فِي مَقَامَيْنِ فِي صِفَةِ الْحَاكِمِ، فَقَالَ: (إِذَا كَانَ حُرًّا مسلما بالغا عَاقِلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَشْبَهَ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْبُلْغَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِيَعْرِفَ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالشَّاهِدَ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا مُجْتَهِدًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا فِي الْجِهَادِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمَا، وَتَرَكَ قَيْدَ الذُّكُورِيَّةِ وَالْعَدَالَةِ لِوُضُوحِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ، جَازَ، وَالْحُكَمُ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ؛ فَلَوْ جَعَلُوا الْحُكْمَ عَلَى رَجُلٍ يُعَيِّنُهُ الْإِمَامُ، صَحَّ؛ فَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، أَوْ جَعَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute