فَمَتَى فَسَخَهَا الْعَامِلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ فَسَخَهَا الْجَاعِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلِ أَوْ قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ، وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، إِلَّا فِي رَدِّ الْآبِقِ، فَإِنَّ لَهُ بِالشَّرْعِ دِينَارًا أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَعَنْهُ: إِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا أَنْفَقَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ) أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، وَلَوْ قِيلَ: تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ لَمْ يَبْعُدْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا فَسَخَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْعَمَلِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، فَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فِي الْجُعْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ فَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ، كَالْمُضَارَبَةِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلَ، أَوْ قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ، وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَالْمَسَافَةِ كَالْأَجِيرِ، فَإِذَا تَحَالَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي صَحِيحِهِ، فَوَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي فَاسِدِهِ كَالْإِجَارَةِ، وَقِيلَ فِي آبِقٍ: الْمُقَدَّرُ شَرْعًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِلَا شَرْطٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
(وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنْفَعَتَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِأَخْذِ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لَهَا وَأُذِنَ لَهُ؛ فَلَهُ الْأُجْرَةُ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَلَّصَ مَتَاعًا لِغَيْرِهِ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ (إِلَّا فِي رَدِّ الْآبِقِ) فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بِلَا شَرْطٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ شُرَيْحٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِئَلَّا يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ يَشْتَغِلَ بِالْفَسَادِ (فَإِنَّ لَهُ بِالشَّرْعِ) أَيْ: بِشَرْعِ الشَّارِعِ، لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ (دِينَارًا أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ إِذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ دِينَارًا» ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الشَّارِدِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِرَدِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّادُّ إِمَامًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا يَسْتَحِقُّهُ إِمَامٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute