الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ، كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ، مُسْلِمِينَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَيْسَتِ الْمَقْصُودَةَ الَّتِي خُلِقَتْ لَهُ الْأَثْمَانُ، فَلَمْ يَجُزِ الْوَقْفُ لَهُ كَوَقْفِ الشَّجَرِ عَلَى نَشْرِ الثِّيَابِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ لَوْ وَقَفَ فَرَسًا بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَدْخُلُ تَبَعًا، نَصَّ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ وَقَفَهُمَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، فَاخْتَارَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " الصِّحَّةَ كَإِجَارَتِهَا لِذَلِكَ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَعَ ضِدَّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ أُطْلِقَ بَطَلَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا.
مَسْأَلَةٌ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ قِنْدِيلِ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ، وَيُزَكِّيهِ رَبُّهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فَيُكْسَرُ، وَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: تَمْثِيلُهُ بِالْمَطْعُومِ وَالرَّيَاحِينِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لَا يَبْقَيَانِ، فَيُحْذَفَانِ، وَيُقْتَصَرُ عَلَى التَّمْثِيلِ بِالْأَثْمَانِ، أَوْ يَبْقَيَانِ مَعَ حَذْفِ " مَعَ بَقَائِهِ " فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا دَائِمًا؛ لِأَنَّ نَفْعَهُمَا يَحْصُلُ فِي بَعْضِ الزَّمَنِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ وَقْفَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى، نَعَمْ إِنْ وَقَفَهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ إِذَا انْقَضَتْ صَحَّ إِنْ قِيلَ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْوَقْفِ عَلَى شَرْطِ. (الثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ) وَمَعْرُوفٍ إِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بِرٍّ لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ (كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ) ، فَإِذَا قَالَ: جَعَلْتُ مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ - صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُ نَاظِرِهِ؛ لِتَعَذُّرِهِ بِالْقَبُولِ كَحَالَةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْوَقْفِ (وَالْقَنَاطِرِ) وَالسِّقَايَاتِ، وَالْمَقَابِرِ، وَكُتُبِ الْعِلْمِ (وَالْأَقَارِبِ مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ الذِّمِّيَّ مَوْضِعُ الْقُرْبَةِ؛ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ صَفِيَّةَ وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ، وَلِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِلْكًا مُحْتَرَمًا، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ الذِّمِّيُّ جَازَ أَنْ يَقِفَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ، وَصَحَّحَ الْحُلْوَانِيُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْوَاضِحِ " مِنْ ذَمِّيٍّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " وَ " الْمُحَرَّرِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute