قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، وَعَنْهُ: لَيْسَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْبُطْلَانَ، وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ عَلَى الْفِسْقِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَجْدِ يُبَدَّلُ بِأَمِينٍ، بِلَا نِزَاعٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّ فِي الِابْتِدَاءِ قَدْ رَضِيَهُ وَاخْتَارَهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى رَآهُ فِيهِ، إِمَّا لِزِيَادَةِ حِفْظِهِ أَوْ إِحْكَامِ تَصَرُّفِهِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يَرْبُو عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْخِيَانَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ فِسْقُهُ، فَحَالُ الْمُوصِي يَقْتَضِي أَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيَ بِعَدْلٍ وَلَا عَدْلَ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْفِسْقِ الْمُقَارِنِ، وَالطَّارِئِ بَعِيدٌ، فَإِنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ كَاعْتِبَارِهَا فِي الِابْتِدَاءِ، سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ لِمَعْنًى يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدَّوَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّفْرِيقِ، فَاعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الدَّوَامِ أَوْلَى مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفِسْقَ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمُوصِي مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ مَعَ فِسْقِهِ، فَيُشْعِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْيَتِيمِ مَا يَمْنَعُهُ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِ، وَخِيَانَتِهِ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَرَأَ فِسْقُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَالِاعْتِبَارُ بِرِضَاهُ.
(وَيَصِحُّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) لِأَنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ، قَبْلَ الْوَقْتِ (وَبَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهَا كَالْوَصِيَّةِ، وَمَتَى قَبِلَ صَارَ وَصِيًّا.
فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَصِيِّ جُعْلًا كَالْوَكَالَةِ، وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ، فَمُقَاسَمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُمْ، (وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ، وَظَاهِرُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَضِدِّهَا (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ) ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزَادَ عَلَيْهِ: لَا يَجُوزُ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْتِزَامِ وَصِيَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute