للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْقَضَى الْحَرْبُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ، وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ أَتْلَفَ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيْئًا ضَمِنَهُ، وَمَا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " احْتِمَالًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ.

تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِدَاءُ أُسَارَى أَهْلِ الْعَدْلِ بِأُسَارَى الْبُغَاةِ، فَإِنْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ أُسَارَى أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُ أَسْرَاهُمْ، فَإِنِ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْبُغَاةِ فَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى قَهْرِهِمَا، لَمْ يُعِنْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ عَجَزَ وَخَافَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى حَرْبِهِ ضَمَّ إِلَيْهِ أَقْرَبَهُمَا إِلَى الْحَقِّ، فَإِنِ اسْتَوَيَا اجْتَهَدَ فِي ضَمِّ إِحْدَاهُمَا، وَلَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ مَعُونَةَ إِحْدَاهُمَا، بَلْ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِذَا هَزَمَهَا لَمْ يُقَاتِلْ مَنْ مَعَهُ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ (وَإِذَا انْقَضَى الْحَرْبُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا أَخَذَهُ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ بِالْإِسْلَامِ، أَشْبَهَ مَالَ غَيْرِ الْبُغَاةِ (وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنُ دَفْعُ الْبُغَاةِ إِلَّا بِقَتْلِهِمْ جَازَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِمْ مِنْ إِثْمٍ، وَلَا ضَمَانٍ، وَلَا كَفَّارَةٍ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الصَّائِلَ عَلَيْهِ (وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا ضَمَانَ، قَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْفُرُوعِ "، وَنَصَرَهَا فِي " الشَّرْحِ "، وَالْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ "، وَصَحَّحَهَا، لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ: هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَاحْتَجَّ بِهِ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَلِأَنَّ تَضْمِينَهُمْ يُفْضِي إِلَى تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ، فَسَقَطَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَأَهْلِ الْعَدْلِ.

وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُونَ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ: تُودُونَ قَتْلَانَا، وَلَا نُودِي قَتْلَاكُمْ، وَلِأَنَّهَا نُفُوسٌ، وَأَمْوَالٌ مَعْصُومَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>