وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ، فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا فُلَانٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَرَكِبَ دَابَّةً جُعِلَتْ بِرَسْمِهِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَ سَطْحَهَا حَنِثَ، وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَإِنْ زَجَرَهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا حَنِثَ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ، فَصَعِدَ سَطْحَهَا لَمْ يَبِرَّ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ أَوْ قرينة عمل بِهَا، فَإِنْ صَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ حَتَّى صَارَ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا بَيْنَ حِيطَانِهَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ بَيْنَ حِيطَانِهَا، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَكَذَا إِنْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ فِي غَيْرِ الدَّارِ، فَتَعَلَّقَ بِفَرْعٍ مَادٍّ عَلَى الدَّارِ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّهَا، أَشْبَهَ الْقَائِمَ عَلَى سَطْحِهَا.
وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا (وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) :
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي حَدِّهَا.
وَالثَّانِي: لَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ قَامَ فِي مَوْضِعٍ إِذَا أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. ١
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إِنْسَانٍ) لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَلِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ، لَأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، فَيَحْنَثُ بِهِ كَغَيْرِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ولم يعرفه فَوَجْهَانِ، وَإِنْ صَلَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إِمَامًا، وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، لَمْ يَحْنَثْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ فِيهَا فَفَتَحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ (وَإِنْ زَجَرَهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ، حَنِثَ) لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ، فَيَدْخُلُ فِي مَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا، فَلَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ رَاسَلَهُ، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَلَّا يُشَافِهَهُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِنِيَّةٍ، أَوْ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَلَوْ كَانَتِ الرِّسَالَةُ تَكْلِيمًا لَتَنَاوَلَ مُوسَى وَغَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِكَوْنِهِ كَلِيمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} [الشورى: ٥١] ، لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِفْهَامِ الْآدَمِيِّينَ، أَشْبَهَ الْخِطَابَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] ، وَالرَّمْزُ لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ، لَكِنْ إِنْ نَوَى تَرْكَ مُوَاصَلَةٍ، أَوْ سَبَبٍ، أَوْ كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute