للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا، رَجَعَ إِلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، وَإِنْ قَالَ: عُمُرًا، احْتَمَلَ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ) أَوْ لَا كَلَّمْتُ فُلَانًا حَتَّى يُكَلِّمَنِي، أَوْ حَتَّى يَبْدَأَنِي بِكَلَامٍ، (فَتَكَلَّمَا مَعًا، حَنِثَ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبْتَدِئٌ، إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ كَلَامٌ سِوَاهُ، وَفِي الرِّعَايَةِ: قُلْتُ: لَا، لَكِنْ إِذَا قَالَ: لَا بَدَأْتُهُ بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا، لَمْ يَحْنَثْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِعَدَمِ الْبِدَايَةِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا) وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا (فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحِينَ الْمُطْلَقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَقَلُّهُ سِتَّةٌ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ أَقَلُّ زَمَنٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] ، فَإِنْ قُلْتَ تَرِدُ لِلسَّنَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٥] ، وَيُرَادُ بِهِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: ٨٨] ، وَيُرَادُ بِهِ سَاعَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: ١٧] وقال: جِئْتُهُ مُنْذُ حِينٍ، وَإِنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ سَاعَةٍ، وَيُرَادُ بِهِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: ٥٤] ، فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْإِطْلَاقِ الْخَالِي عَنِ الْإِرَادَةِ، مَعَ أَنَّ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٥] ، سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا اسْتُشْهِدُوا بِهِ مِنَ الْمُطْلَقِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَقَلُّ، فَحُمِلَ عَلَى الْيَقِينِ، وَقِيلَ: إِنْ عَرَّفَهُ فَلِلْأَبَدِ، كَالدَّهْرِ وَالْعُمُرِ، أَمَّا إِذَا قَيَّدَ لَفْظَهُ، أَوْ بَيَّنَهُ بِزَمَنٍ، فَإِنَّهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ، (وَإِنْ قَالَ: زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا، رَجَعَ إِلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِي إِرَادَتِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إِنَّ زَمَنًا كَحِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي وَقْتٍ وَنَحْوِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا مَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِهِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالزَّمَانِ كَحِينٍ، وَاخْتَارَه فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ لِلْأَبَدِ كَالدَّهْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ زَمَانًا، فَهُوَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، (وَإِنْ قَالَ: عُمُرًا، احْتَمَلَ ذَلِكَ) أَيْ: يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى أَقَلِّ مَا تَنَاوَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>