(١٩٢٧) ثُمّ يُعْطِيَ المقاتِلَةَ في كُلِّ عامٍ عطاءَهم، والذُّرِّيَّةَ والنساءَ ما يَكْفِيهم لِسَنَتِهم في كِسْوَتِهم ونَفَقاتِهم؛ طعامًا أو قيمتَه دراهمَ أو دنانيرَ، يُعْطِي المنْفُوسَ شَيْئًا (١)، ثُمّ يُزادُ كُلَّما كَبِرَ على قَدْرِ مُؤنَتِه، وهذا مُسْتَوٍ؛ لأنّهم يُعْطَوْنَ الكفايةَ، ويُخْتَلَفُ في مَبْلَغِ العَطاءِ باخْتلافِ أسْعارِ البُلْدانِ وحالاتِ الناسِ فيها، بأنّ المؤونَةَ في بعضِ البلادِ أثْقَلُ منها في بعضٍ، ولا أعْلَمُ أصحابَنا اخْتَلَفُوا في أنّ العطاءَ للمقاتِلَةِ حيثُ كانوا إنّما يَكُونُ مِنْ الفيءِ، وقالوا: لا بأسَ أن يُعْطِيَ الرجلُ لنفسِه أكْثَرَ مِنْ كفايَتِه، وذلك أنّ عُمَرَ بَلَغَ في العطاءِ خمسةَ آلافٍ، وهي أكْثَرُ مِنْ كفايةِ الرجلِ لنفسِه، ومنهم مَنْ قال: خمسةُ آلافٍ بالمدينةِ، ويُغْزَى إذا غُزِيَ ليستْ بأكْثَرَ مِنْ الكفايةِ إذا غُزِيَ عليها؛ لبُعْدِ المغْزَى، قال الشافعي: وهي كالكفايةِ على أنّه يَغْزُو، وإن لم يَغْزُ في كُلِّ سَنَةٍ.
(١٩٢٨) قال: ولم يَخْتَلِفْ أحَدٌ لَقِيتُه في أن ليس للمَمالِيكِ في العطاءِ حَقٌّ، ولا الأعرابِ الذين هم أهلُ الصدقةِ.
(١٩٢٩) واخْتَلَفُوا في التَّفْضِيلِ على السّابقةِ والنَّسَبِ، فمنهم مَنْ قال: أسَوِّي بين الناسِ، فإنّ أبا بكرٍ حين قال له عُمَرُ: أتَجْعَلُ الذين جاهدُوا في اللهِ بأموالهم وأنفُسِهم وهَجَرُوا ديارَهم كمَن إنّما دَخَلَ في الإسلامِ كُرْهًا؟ فقال أبو بكرٍ: إنّما عَمِلُوا للهِ، وإنّما أجورُهم على اللهِ، وإنّما الدُّنْيا بَلاغٌ، وسَوَّى عليُّ بنُ أبي طالبٍ بين الناسِ ولم يُفَضِّلْ، قال الشافعي: وهذا الذي أخْتارُ، وأسألُ الله التوفيقَ، وذلك أنّي رَأيْتُ اللهَ تبارك وتعالى قَسَمَ
(١) أراد بالمنفوس: المولود ساعة تضعه أمه، ويقال لأمه: نُفَساء، وللمولود: منفوس؛ لأنها وضعته نفسًا؛ أي: دمًا. «الزاهر» (ص: ٣٨٦).