ومنها: قال الشافعي (ف: ١٩٥١): «الناسُ عِبادُ الله، فأوْلاهُم أن يكون مُقَدَّمًا أقْرَبُهم بخِيرَةِ اللهِ لرِسالَتِه، ومُسْتَوْدَعِ أمانَتِه، وخاتَمِ النَّبِيِّينَ، وخَيْرِ خلقِ رَبِّ العالمين، محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-»، قال المُزَني:«هذا والله هو الكلامُ الصحيحُ».
[الحسب والنسب الشريف دون عصبية]
ومنها: لا يخفى على أحد مدى اهتمام العربيِّ بنَسَبه وحَسَبه، حتى غلا بعضهم في العصور الأولى فكان ذلك سببًا في ظهور الشعوبية المضادَّة، والشافعي -رحمه الله- لا شكَّ معتزٌّ بنَسَبه الشريف وحَسَبه الرفيع، وقد اعتبر النسب من الوجوه المعتَبَرة في الكفاءة بين الزوجين، ولكن ذلك لم يكن أبدًا عصبية للعربية والأنساب، وإنما كان دينًا واتباعًا لِمَا ظهر له من الدليل، وقد بيَّن الحدود الفارقة بين الاعتزاز المباح بالأحساب والعصبيةِ الممقوتة، قال الشافعي (ف: ٣٨٠٧): «وليْسَ مِنْ العَصَبِيَّةِ أن يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَه، والعَصَبِيَّةُ المحْضُ أن يُبْغِضَ الرَّجُلَ لأنَّه مِنْ بني فلانٍ، فإذا أظْهَرَها ودَعا إليها وتآلَفَ بها فمَرْدُودٌ، وقد جَمَعَ اللهُ - جَلَّ ذكره - المسْلِمِين بالإسْلامِ، وهو أشْرَفُ أنْسابِهِم فقال - عز وجل -: {إنما المؤمنون إخوة}[الحجرات: ١٠]، وقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا»، فمَن خالَفَ أمْرَ اللهِ وأمْرَ رَسُولِه رُدَّتْ شَهادَتُه».
ومما يدلُّ على المعنى التي ذكرته أن الشافعي ذكر مذهب أبي يوسف القاضي وأهل العراق القائلين بعدم عقد الذمة مع العرب وعدم أخذ الجزية منهم ثم قال -رحمه الله- (ف: ٣٣٨٠): «نَحْنُ كُنَّا على هذا أحْرَصَ، ولولا أن نَأثَمَ