هذا الفصل من أكثر ما استشكل على الشافعي وشنع به عليه، والنكتة فيه أن القولين أو الأقوال صدرت في آن واحد وليس ذلك بشأن الفقيه، ولا شناعة إذا عرف وجه الحقيقة ومقاصد الإمام بذلك؛ ذلك أن الإمام لم يكن من مقاصده ضبط القول في الفروع الفقهية حتى يتخذ قوله من بعده قانونًا متبعًا يقلد فيه كما يتوهم الواهمون وكما حصل أخيرًا على أيدي المقلدين الحاجرين المتحجِّرين، وإنما أراد ضبط طرق الاستدلال والنظر التي هي قطعية ويجب أن تكون محل إجماع، ومن هنا كثر في كلامه الترديد بين الآراء المحتملة القابلة للنقاش والجدل والمناظرة، ليس ذلك لأنه لا رأي له، وإنما لأنه يريد أن يصل كل إلى الرأي المختار عنده بطريق الاستدلال الصحيح.
وفي هذا الفصل نحاول أن نضبط صور ترديد الشافعي الأقوال في المسألة بحصر موارده، ومن ثَمَّ نبيِّن حكمه وحكمته، والذي ظهر لي منها صور سبعة: