وإذا لم يوجد وجه للجمع فسنَّته الأخيرة ناسخة لسنَّته الأولى، قال الشافعي (ف: ٢٨٥): «وفِعْلُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- الآخِرُ ناسِخٌ لفِعْلِه الأوَّلِ».
[القيمة الثالثة: الأخذ بالظاهر.]
فـ «أصله الظاهر» كما قال المُزَني (ف: ٣٢٠٢)، وقال في «كتاب الأمر والنهي»(ف: ٢٢): «ولو جاز ألا أفارق لفظ الحديث بلا دلالة من حديث غيره ولا إجماع ولا ما نقلته خاصة العلماء، فالقبول ألزم من طرح الاستدلال»، ويبني الشافعي على هذه القيمة حمل الدلالات المحتملة على أقرب معانيها للظاهر.
فمنها: حمل الطلب على الحتم، ما لم يقم دليل على الاختيار والإرشاد، وكلام الشافعي صريح في حمل النهي على التحريم، لكن كلامه في جهة الأمر محتمل كما صرَّح الأصحاب، لكن الشافعي ذكر في «المختصَر»(ف: ١٣) قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» مستدلًّا به على استحباب السواك، قال الشافعي:«ولو كان واجبًا لأمرهم به، شقَّ أو لم يَشُقَّ»، وهذا الاستدلال المعروف عند الأصوليين بعد الشافعي على أن الأمر للوجوب، ويدل على استحسانهم له وسَبْق الشافعي به.
وأريد هنا التنبيه إلى كلام للباحث الفاضل مشاري الشثري - حفظه الله - حيث قال: «المعلوم من قول الشافعي فيما يتعلق بالأمر والنهي أنه يرى جزمًا أن النهي يقتضي التحريم، وأما الأمرُ فردَّدَ الشافعيُّ القولَ فيه، ولم يجزم بحمله على معنًى يجعله هو الأصلَ، بل ذَكر عدة احتمالات في دلالته، ثم قال: (وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل ليفرِّقوا بين الحتم والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في