للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(٩٣)

[باب إمكان الحج وأنه من رأس المال]

(٨١٥) قال الشافعي: وإذا اسْتَطاع الرجلُ فأمْكَنَهُ مَسِيرُ الناسِ مِنْ بَلَدِه .. فقد لَزِمَه الحجُّ، فإنْ مات .. قُضِيَ عنه (١)، وإن لم يُمْكِنْه لبُعْدِ دارِه ودُنُوِّ الحجِّ مِنه، ولم يَعِشْ حتّى يُمْكِنَه قابلٌ .. لم يَلْزَمْه (٢).

(٨١٦) وإنْ كان عامُ جَدْبٍ أو عَطَشٍ ولم يَقْدِرْ على ما لا بُدّ مِنه، أو كان خوفُ عَدُوٍّ .. أشْبَهَ أن يكونَ غَيْرَ واجِدٍ للسبيلِ، ولم يَلْزَمْه.

(٨١٧) ولم يَبِنْ لي أنْ أوجِبَ عليه رُكوبَ البحرِ للحجِّ إذا قَدَر عليه (٣).


(١) قال الروياني في «البحر» (٣/ ٣٦٤): «نقل المزني ليس على ظاهره؛ لأنه إنما يُقضَى عنه إذا عاش إلى مدة كان يمكنه الحج فيها، وإذا مات قبل مضي تلك المدة لا يُقضَى عنه»، ثم إن إمام الحرمين نقل عن الشافعي هذا القول في «الحج الكبير» ثم قال الشافعي: «وقيل: إن لم يوصِ به .. فلا يُحَج عنه، وإن أوصى به .. حُجّ من الثلث من ميقاته»، قال في «النهاية» (٤/ ١٥٥): «فحصل قولان: أصحهما الأول، والثاني: مذهب أبي حنيفة»، قال عبدالله: لعل الشافعي لم يَحكِ القول الثانيَ حيث نقله عنه الإمام على وجه الترديد، وإنما على وجه الرد لقول المخالف، وهو ظاهر عبارته، ولم يثبته الماوردي في «الحاوي» (٤/ ١٦) والرافعي في «العزيز» (٤/ ٦١٣) والنووي في «الروضة» (٣/ ١٤)، وقال في «المجموع» (٧/ ٩٤): «هذا قول غريب ضعيف جدًّا»، والله أعلم.
(٢) جاء في هامش س: «قال شيخ الإسلام البلقيني: فهذه من الاستطاعة المقررة، فإذا أمكن سير الناس من إقليم هو فيه بعد حج الناس .. فإنه يتقرر في ذمته الحج، ويُقضَى من تركته».
(٣) هكذا نص هنا، ونص في «الأم» على أنه لا يجب، وهما متقاربان، ونص في «الإملاء» على أنه إن كان أكثر عيشه في البحر وجب، والأصحاب منقسمون إلى مثبتين للخلاف في المسألة، وإلى نافين له، وهو المذهب.
ثم للمثبتين طريقان: أحدهما - أن المسألة على قولين مطلقًا: أحدهما - أنه يلزم ركوبه؛ للظواهر المطلقة في الحج، والثاني - لا؛ لما فيه من الخوف والخطر، والطريق الثاني - أنه إن كان الغالب منه الهلاك، إما باعتبار خصوص ذلك البحر، أو لهيجان الأمواج في بعض الأحوال .. لم يلزم الركوب، وإن كان الغالب السلامة .. ففيه قولان: أحدهما - اللزوم، كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة، والثاني - المنع؛ لأن عوارض البحر عسرة الدفع، وعلى هذا لو اعتدل الاحتمال، فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك، تردد كلام الأئمة فيه.
وأما النافون للخلاف .. فلهم طرق: أصحها - إن كان الغالب الهلاك لم يلزمه، وإن كان الغالب السلامة لزم، واختلاف النص محمول على الحالين، وإن استويا .. فوجهان، أصحهما: لا يجب، والثاني - تنزيل النصين على حالتين من وجه آخر، إن كان الرجل ممن اعتاد ركوب البحر كالملاحين وأهل الجزائر .. لزمه، وإلا .. فلا؛ لصعوبته عليه، ونقل الإمام عن بعض الأصحاب: اللزوم عند جرأة الراكب، وعدمه عند استشعاره، قال: «وفي كلام الشافعي إشعار به»، وقال الرافعي: «هذا قريب من الطريقة الثانية، ويشبه أن يكون هو هي، وإنما الاختلاف في العبارة»، والثالث - القطع بعدم اللزوم، وحمل نصه في «الإملاء» على ما إذا ركبه لبعض الأغراض، فصار أقرب إلى الشط الذي يلي مكة، والرابع: القطع باللزوم.
انظر: «النهاية» (٤/ ١٥١) و «العزيز» (٤/ ٥٨٨) و «الروضة» (٣/ ٨) و «المجموع» (٧/ ٦٥).