للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السؤال الأول: لماذا عُنِي الشافعية بذكر الأقوال القديمة مع رجوع الشافعي عنها؟

الذي يظهر لي أن العناية بالأقوال القديمة سرى إلى الشافعية من خلال عنايتهم بمختصَر المُزَني، فالمُزَني عُنِي في الكتاب بذكر تلك الأقوال، وعلى بنائه بنى الشافعية من بعده، فكلهم شرَّاح لكتابه إما الشرح المباشر أو بالواسطة، وقد قال إمام الحرمين: «لا أصل للقول القديم، وهو مرجوع عنه، ولولا إقامة الرسم ومحاولة نقل ما بلغني لما كنت أعدُّ الأقوال القديمة مذهبًا للشافعي» (١).

ويعتذر عن ذلك بأمرين اثنين:

أحدهما: أن ذكر المُزَني والأصحاب لها إنما كان من فهم غرض الشافعي بتأليفه، فالشافعي نهى أصحابه عن تقليده سواء في ذلك القديم والجديد، وإنما المتبع الدليل، والقديم والجديد باعتبار الدليل على مرتبة واحدة في الفقه الإسلامي، ويؤيِّد هذه النظرة عدم تحرج الأصحاب من ترجيح القديم والعمل به حيث أيَّده الدليل في نظرهم واجتهادهم الخاص، فهم اتبعوا الشافعي في أمره بالاجتهاد، وذكروا القديم كوجه من وجوهه.

ثانيهما: أنهم إذ يحكون القديم عن الشافعي لا يحكونه مطلقًا، وإنما مقيدًا بكونه القديم، والجديد هو المذهب دون القديم كما قال السمعاني (٢)، أو كما قال الغزالي: «له قولان بالإضافة إلى عمره، لا بالإضافة إلى وقت واحد» (٣)، فلا إشكال في حكايته على هذا الوجه،


(١) انظر «النهاية» (١٥/ ٢٨٤).
(٢) انظر «القواطع» (٥/ ٧٦).
(٣) انظر «حقيقة القولين» (ص: ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>