للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما على الثاني، وأضافهما إلى نفسه في مثل الصيغة التي يضيف بها جملة المذهب إلى نفسه .. فلا يخلو حاله في ذلك إما أن يريد تصحيح القولين جميعًا في حق المجتهد الواحد، فيكون ذلك تناقضًا وتنافيًا ومباهتة للضروريات والبدائة، وإن كان لا يعتقد ذلك .. فإطلاقه الكلام على وجه يُنبئ عما قلناه يزريه؛ إذ ليس لأحد العلماء أن يطلق من القول ما ظاهره الغلط، وهو يريد به خلاف ظاهره» (١).

هذا وما شابه ذلك في كتب الأصول والفروع كان السبب الأول في مباحث ومؤلفات عظيمة النفع للأصحاب حول قضية اختلاف القولين للمجتهد الواحد.

[الدفاع عن الشافعي في اختلاف أقواله]

ومن الجواب الجملي في ذلك أن الشافعي أراد بفقهه ضبط أصول الاستنباط وقواعد الاجتهاد، ولم يكن من مقاصده حجر أحكام الفروع بما ترجح لديه هو وإن كان يرى الحق في رأيه، بل إنه نهى عن التقليد له أو لغيره، ودعا إلى الدوران مع السنة والدليل، فكان من منهجه في بعض المسائل ترديد الأقوال وعدم البت فيها، إما لعدم قطعه بحكمه، أو لكي يعلم الاجتهاد، ولهذا نجد المُزَني وهو ناصر مذهبه على ذات الطريقة متشوِّفًا إلى ترديد الأقوال، قال إمام الحرمين في «النهاية» (١٥/ ٧٤): «المُزَني يتشوَّف إلى تخريج القولين مهما اشتمل الكلام على نوع من التردد»، قال: «وهذه عادته»، ولا أُراهُ - والله أعلم - يفعل ذلك من جهة نسبة القولين إلى الشافعي كما قد يتوهَّم، وإنما فعل ذلك لتوسيع مجال


(١) انظر «التلخيص» لإمام الحرمين (٣/ ٤١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>