(٣٣٣٢) قال الشافعي: الحُكْمُ في المشْرِكِين حُكْمان: فمَن كان مِنهم أهْلَ الأوْثانِ أو مَنْ عَبَدَ ما اسْتَحْسَنَ مِنْ غَيْرِ أهْلِ الكِتابِ .. لم تُؤخَذْ منهم الجِزْيَةُ، وقُوتِلُوا حتّى يُقْتَلُوا أو يُسْلِمُوا؛ لقولِ الله عز وجل:{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}[التوبة: ٥]، وقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النّاسَ حتّى يَقُولُوا: لا إلهَ إلّا اللهَ»، ومَن كان مِنْهُم أهْلَ كِتابٍ .. قُوتِلُوا حتّى يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الجِزْيَةَ عن يَدٍ وهم صاغِرُون (١)، فإن لم يُعْطُوها قُوتِلُوا وقُتِلُوا وسُبِيَتْ ذَرارِيُّهم ونِساؤُهم وأمْوالُهم ودِيارُهُم، وكان ذلك كُلُّه فَيْئًا بَعْدَ السَّلَبِ للقاتِلِ في الإقْبالِ، قال ذلك الإمامُ أو لم يَقُلْه؛ لأنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- نَفَّلَ أبا قَتادَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَلَبَ قَتِيلِه، وما نَفَّلَه إيّاه إلّا بَعْدَ تَقَضِّي الحَرْبِ، ونَفَّلَ محمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَلَبَ مَرْحَبٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، ونَفَّلَ يَوْمَ بَدْرٍ عَدَدًا ويَوْمَ أحُدٍ رَجُلًا أو رَجُلَيْن أسْلابَ قَتْلاهم، وما عَلِمْتُه حَضَرَ مَحْضَرًا قَطُّ فقَتَلَ رَجُلٌ قَتِيلًا في الإقْبالِ إلّا نَفَّلَه سَلَبَه، ولقد فَعَلَ ذلك بعدَ رسولِ الله أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ.
(١) معنى «عن يد» .. قيل: عن ذل وقهر واستسلام؛ كما يقال: «أعطى بيده»: إذا ذل واعترف بالانقياد، وقيل: عن قهر وذل؛ كما تقول: «اليد في هذا لفلان»؛ أي: الأمر النافذ لفلان، وقيل: عن إنعام عليهم بذلك؛ لأن قبول الجزية وترك أنفسهم نعمة عليهم ويد من المعروف جزيلة، وقيل: يعطيها بيده، ولا يتولى إعطاءها عنه غيره، فإن ذلك أبلغ في صغاره، وقيل: حتى يعطوا الجزية عن يد؛ أي: عن جماعة، لا يعفى عن ذي فضل منهم لفضله، يقال: «المسلمون يد على من سواهم»؛ أي: كلمتهم واحدة. «الزاهر» (ص: ٥١٠).