(٢٢) وسئل المزني عن قول النبي صلى الله عليه: «من قطع سِدْرةً صوَّبَ الله رأسه في النار»، فقال: إن ثبت أن النبي قاله فيُشْبِه أن يكون سُئل مَنْ هجَم على قطع سدرةٍ للرجل أو ليتيم أو لمن حرّم الله عليه أن يقطعها عليه، فتحامل عليها وقطعها بعد نهي الله عز وجل أو نهي رسوله صلى الله عليه أو بدلالة، فيستحق ما قال بهجومه على خلاف الله أو رسوله، فتكون المسألة سبقت السامع للجواب، فسمع الجواب ولم يسمع المسألة، فأدى ما سمع دون ما لم يسمع، نظير ما روى أسامة أن رسول الله قال:«إنما الربا في النسيئة»، فيحتمل مخرج ذلك أن يكون رسول الله سئل: هل في الذهب بالذهب مِثلًا بمثل ربا؟ فقال:«إنما الربا في النسيئة»، فسمع الجواب ولم يسمع المسألة، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه:«لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مِثلًا بمثل، يدًا بيد».
والدليل على قطع السِّدرة عندي وبالله التوفيق: أن المرء أحق بماله، وأنه جائز له أن يجعل جِنانَه دارً يسكنها، فيقطع ما فيها من الشجر، السدر وغيره، ولمّا لم أرى أحدًا يمتنع مِنْ ورق السدرة - والورق من الشجر بعضها كالغصن فيها - وقد سوى رسول الله فيما حرم قطعه بينه وبين عَضْده بقوله في شجر مكة:«لا يُعْضَد شجرُها» فكأن العَضْد في معناه القطع في النهي، وقد أجاز النبي أن يغسل بالسدر دليل على أنه لو كان قَطْعُه من شجره حرامً [كذا] ما أجاز الانتفاع بما يحرم قطعه، وفي ذلك دليل على إباحته، ولو جاز ألا أفارق لفظ الحديث بلا دلالة من حديث غيره ولا إجماع ولا ما نقلته خاصة العلماء، فالقبول ألزم من طرح الاستدلال.