أو لا يقنع بما أنعم الله عليه منها فيأكلها حين يبلغ ذلك منها، ونهيه عن التعريس على قارعة الطريق، فمعناه عندي على حسن النظر للبائت، وفي قوله:«فإنها مأوى الحيات» دليل على أن ذلك خوف عليهم مِنْ إذائهم [كذا]؛ لشفقته ورأفته عليهم عليه السلام، لا تحريمًا للتعريس على الطريق، ومن ذلك: نهيه عن أن يأكل من فوق رأس الثريد، وقوله:«فإن البركة تنزل من فوق» دليل على أنه أراد استدامة البركة للأكل، لا تحريمًا لأكله من فوق، وقوله صلى الله عليه:«سَمِّ الله وكلْ ممّا يليك» على حسن الأدب وجميل المؤاكلة.
(٢١) ومن نهيه على [كذا] الأفعال في الملك على التحريم: من ذلك أنه صلى الله عليه قال: «الذي يشرب في آنية الفضة، إنما يجرجر في جوفه نار جهنم»، فقد تكون الفضة ملكً للشارب فيها، وقد فرض الله في الفضة الزكاة، ولبس النبي عليه السلام خاتم فضة، وتحلَّى منها نساء المؤمنين، والفضة حِلٌّ، والفعل فيها كما نهى النبي عليه السلام حرام، ونهى عن لبس الحرير، وهو ملك للمؤمنين وحلال لنسائهم، فتحريمه وتحريم الذهب على الرجال من جهة الزّين حرام؛ كما يحرم الشرب في آنية الفضة من جهة السَّرَف، والخيلاء حرام، ونهيه عن اشتمال الصَّمّاء، وأن يَحْتَبِيَ الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء، والثوب قد يكون ملك المشتمِل والمحتبِي، فملكُه حلال، وفعلُه به حرامٌ لِعلّة كشف العورة، كالفعلِ الحرامِ في شراب آنية الفضة ولبس الحرير كما وصفت، وهذا نحوُ مذهب الشافعي، فتَفَهَّمْه ولا تقلِّد مَنْ وضعَه، وبالله التوفيق.