الوجه الثاني: تخريج القديم قولًا للشافعي جديدًا منصوصًا في بعض كتبه وأماليه، فهو قديم باعتبار الكتاب الذي نقل منه، وجديد باعتبار إقرار الشافعي له في كتبه الجديدة، فقد يرجحه بعض الأصحاب باعتبار النصِّ الجديد، ويخفى على آخرين نصُّه الجديد فيرجحه لدليله معتقدًا أنه من باب ترجيح القديم وليس به، وهذا معنى ما سبق أن نقلناه عن ابن الصلاح من عدم اتفاقهم على أن الخلاف في تلك المسائل من قبيل الخلاف بين القديم والجديد.
الوجه الثالث: ترجيح القديم باعتبار قياس قول للشافعي في الجديد في نظائر المسألة وأشباهها، وقد أكثر من هذا المُزَني في «المختصَر»، وهذا بمثابة معارضة المنصوص بالقول المخرج، بل هذا أولى بالجواز منه؛ لأن نصَّ الشافعي عليه ولو في القديم دليل على وجاهته عنده وإن كان رجوعه عنه يوهم ضعفه أيضًا، وعلى كل فليس هذا الوجه أيضًا مما يمكن أن يتمحَّض فيه القول بأنه من باب ترجيح القديم على الجديد.
الوجه الرابع: ترجيح القديم بناءً على أصول الشريعة التي هي عمدة الشافعي في فقهه واستنباطه، وقد قال إمام الحرمين: «ومما يجب أن يعتقده من ينتحل مذهب الإمام المطلبي أنه يبني فرعه على أصول الشريعة، وقد صحَّ في منصوصاته أنه قال:(إذا بلغكم عني مذهب، وصحَّ عندكم خبر على مخالفته .. فاعلموا أن مذهبي موجَبُ الخبر)، والظن به أنه لو زَلَّ قلم ناسخ عنه عن أصلِ أنَّ مذهبه موجَبُ الأصل، وما نُقل محمول على تحريف أو غفلة» (١)، قال عبدالله: هذا في نصٍّ منقول عن الشافعي لا معارض له، والمذهب القديم إذا كان مقتضى أصوله أن يكون مذهبه أولى.