«النهاية»(١٥/ ٢٨٣): «معظم أقوال [الشافعي] القديمة تخالف الأقيسةَ الجلية وتستند إلى أقضيةٍ وآثارٍ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتُمسك بطرفٍ من المعنى الكلي»، وقال (١٥/ ٢٨٨): «إن [الشافعي] بنى أقواله القديمة على اتباع الأثر وتَرْكِ القياس الجليّ، وتحقق عنده في الجديد أن ذلك باطل».
السبب الثالث: زيادة تمحيص الاجتهاد الجزئي في المسائل، سواء كان ذلك بسبب اطلاع على دليل جزئي جديد غير اجتهاده، أو تنبه إلى نكتة استنباطية خفيت عليه في القديم، وهذا نتيجة طبيعية في مراجعة العلماء لجهودهم السابقة، وليس للشافعي خصوصية في ذلك، فقد أبى الله الكمال إلا لنفسه، وكل العلماء عُرف عنهم القول ثم إعادة النظر فيه والرجوع عن بعضه.
هذه هي جملة الأسباب التي ظهرت لي، والله أعلم بحقيقة الحال.
[السؤال الثاني: ما هي طبيعة رجوع الشافعي عن القديم؛ هل هو رجوع كلي أو جزئي؟]
سبق أن ذكرنا قول الشافعي:«لا أجعل في حِلٍّ مَنْ رَوَى عني الكتاب البغدادي»، وظاهره أن كل القديم ليس مذهبًا للشافعي، لكن ذلك غير مراد للشافعي بالمرة، ويُكذِّبه حقيقة ما عليه كتب المذهب، ومن أبرز الأمثلة «المختصَر» للمُزَني فهو كما اعتمد في اختصاره علم الشافعي على كتبه الجديدة اعتمد كذلك على الكتب القديمة، ولو كانت مردودة عند الشافعي مطلقًا لما صحَّ له ذلك، ومن هنا ينبغي ألا يقطع القول في المذهب القديم جملة، وإنما يفصل فيه على حسب المسائل وموقف الأصحاب منها، فأقول: