وينبغي تحرير صورة التقليد التي أرادها الشافعي -رحمه الله- بنهيه بالقصد الأول، ولا شكَّ أن السبيل إلى معرفتها هو النظر في نوع التقليد الذي عُرِف في عصر الشافعي، فأقول:
إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فرَّق علماء الصحابة على حواضر الإسلام يفقِّهون الأمم على ما كان عندهم من الأثر والرأي، وعلى فقه هؤلاء الصحابة نشأت المدارس الفقهية في العراق والشام ومصر، إلى جانب المدرسة الأصل في الحجاز، وكان العصر عصر بداية تكوُّن العلوم الإسلامية، حيث اللغة وعلومها لم يَنتشر تدوينها، ولا الحديث جُمع وقَرُبت من متناول الفقيه أصول تمحيصه، فكان كل جيل من الأئمة العلماء يتكئ على جهود مَنْ سبقهم من الفتاوى والأقضية، ثم يبني عليها في مستجدات عصره، وقد يصله الحديث من رواية الآحاد فيحاول الاجتهاد في تعرُّف صحيحه من ضعيفه بناءً على نقد المتن من جهة موافقة ما عرفه من أحكام الشريعة على وَفْق المدرسة التي ينتمي إليها، فظهر رَدُّ الحديث بدعوى مخالفة القرآن، أو رَدّ الصحيح الثابت بالضعيف الموافق لمذهب فقهاء البلد، أو ردّه بدعوى مخالفة القياس والعرف المتبع عند القضاة، وما شابه ذلك من الأمور التي حَمَلت الشافعي على إنكار تقليد آراء الرجال في مخالفة الثابت عند المحدّثين من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فالتقليد الذي يقصده الشافعي - والله أعلم - الاحتجاج بأقوال الصحابة على خلاف الثابت من السنن، ثم الاحتجاج بما بُنِيَ على أقوال الصحابة من فقه الأمصار.
[أقوال الصحابة عند الشافعي]
والمشهور في مذهب الشافعي الجديد عدم الاحتجاج بقول الصحابي، لكن تَرِدُ عليه مسائل من الجديد صرَّح فيها بالاحتجاج، منها أن الشافعي لم