للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(١٤٨)

[باب الرهن والحميل في البيع واختلاف الراهن والمرتهن وغير ذلك]

(١٢٧٩) قال الشافعي: ومعقولٌ إذا (١) أذِنَ اللهُ بالرهنِ أنّه زيادةُ وَثِيقَةٍ لصاحبِ الحقِّ، وأنّه ليس بالحقِّ بعَيْنِه ولا جُزْءًا مِنْ عَدَدِه (٢).


(١) كذا في ظ ز، وفي ب س: «إذ».
(٢) هذه جملة تحتاج إلى تفصيل وشرح كما قال الماوردي في «الحاوي» (٦/ ١٧٨).
فقوله: «ومعقول» يعني: أن الرهن لم يعلم كونه وثيقة بنص كتاب ولا سنة، وإنما عُقِل استنباطًا من إباحته في الكتاب والسنة، قال الماوردي: «وكل موضع قال الشافعي: (ومعقول) .. فإنما يريد به معقول الشرع، لا معقول البديهة والعقل».
وقوله: «إذا أذن الله تعالى بالرهن» فليعلم أنه مباح، وليس بواجب؛ لأنه أذن به، ولو كان واجبًا لأمر به، ردًّا على من زعم أنه في السفر واجب.
وأما قوله: «أنه زيادة وثيقة لصاحب الحق» .. فقد قيل: معناه أنه وثيقة، وقوله: (زيادة) صلة في الكلام، وقيل: بل هو زيادة وثيقة حقيقة، من غير أن يكون ذلك في الكلام صلة، وفيه تأويلان: أحدهما - أنه زيادة وثيقة على الذمة، والثاني - أنه زيادة مع الشهادة التي هي وثيقة ذكرها الله تعالى في الآية، ثم عقبها بإباحة الرهن الذي هو وثيقة، فصار الرهن وثيقة زائدة مع الشهادة.
وأما قوله: «وأنه ليس بالحق بعينه ولا جزءا من عدده» .. فإنما قصد به الرد على أبي حنيفة في إيجابه ضمان الرهن بأقل الأمرين من القيمة أو الحق، لأنه إذا لم يكن الرهن هو الحق بعينه ولا جزءا من عدده لم يبطل الحق بتلف، وقيل: قصد به الرد على مالك حيث قال: يلزم الرهن بنفس العقد، ويجب على الراهن تسليمه، فقال: ليس هو الحق بعينه ولا جزءا من عدده حتى يجب تسليمه.
قال الماوردي: «فهذا تفصيل كلامه وبيان شرحه وما قصده الشافعي به، والله أعلم بضمير قلبه».
واختلف في جواب «إذا أذن الله» ما هو؟ .. فقيل: أن الجواب قوله: «أنه زيادة وثيقة»، كأنه يقول: إذا أذن الله تعالى بالرهن فمعقول أنه زيادة وثيقة، ولو جعلناه مضمونًا زايَلَه معنى الوثيقة، وعدم الرهن يكون أنفع له من وجوده، وقيل: أن الجواب قوله: «فلو باع رجل شيئًا على أن يرهنه به … »، وقوله: «أنه زيادة وثيقة … » تعليل للإذن، وقد ورد في بعض النسخ كما ذكر الروياني في «البحر» (٥/ ٢٩٠): «ومعقول إذا أذن الله تعالى بالرهن؛ لأنه زيادة وثيقة لصاحب الحق، وأنه … » الخ، ومعنى سياق الكلام على هذا الجواب أن يقال: معقول الرهن مأذون لزيادة وثيقة لصاحب الحق وليس بالحق ولا جزء من عدده، فإذا باع بيعًا وضمنه بشرط الرهن لم يفسد البيع بهذا الشرط، وقيل: أخل المزني بالنقل، ونقل كلامًا محذوف الخبر، منقطع الجواب؛ لأنه قال: «ومعقول إذا أذن الله تعالى بالرهن؛ لأنه زيادة وثيقة لصاحب الحق، وأنه ليس بالحق بعينه ولا جزءًا من عدده»، ثم لم يعطف على هذه الجملة مقصوده جوابًا، وتركها مبترة، ثم استأنف عقيب هذه الجملة ما عطف الشافعي في الكبير عليها، ثم قدر الجواب: «فليس بمضمون»، ردًّا على أبي حنيفة حيث جعل الرهن مضمونًا بالدين، ومعناه: أذن الله تعالى في الرهن لزيادة وثيقة، ليس الرهن جزءًا من الدين ولا عين الدين، فكيف يسقط الدين بتلفه كما يزعم أبو حنيفة.