(٣٥٠٢) قال الشافعي: ولا بَأسَ بكَسْبِ الحَجّامِ، فإن قيل: فما مَعْنَى نَهْيِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- السّائلَ عن كَسْبِه، وإرْخاصِه في أن يُطْعِمَه رَقِيقَه وناضِحَه؟ .. قيل: لا مَعْنَى له إلّا واحِدٌ، وهو أنّ مِنْ المكاسِبِ دَنِيًّا وحَسَنًا، فكان كَسْبُ الحَجّامِ دَنِيًّا، فأحَبَّ له تَنْزِيهَ نَفْسِه عن الدَّناءَةِ لكَثْرَةِ المكاسِبِ التي هي أجْمَلُ منه، فلمّا رادَّه فيه أمَرَه أن يَعْلِفَه ناضِحَه ويُطْعِمَه رَقِيقَه، تَنْزِيهًا له، لا تَحْرِيمًا عليه، وقد حَجَمَ أبو طَيْبَةَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأمَر له بصاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وأمَرَ أهْلَه أن يُخَفِّفُوا عنه مِنْ خَراجِه، ولو كان حَرامًا لم يُعْطِه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنّه لا يُعْطِي إلّا ما يَحِلُّ إعْطاؤُه ولآخِذِه مِلْكُه، وقد رُوِيَ أنّ رَجُلًا ذا قَرابَةٍ لعُثْمانَ قَدِمَ عليه، فسَألَه عن مَعاشِه، فذَكَرَ غَلَّةَ حَجّامٍ أو حَجّامَيْن، فقال: إنّ كَسْبَكُم لوَسِخٌ، أو قال: لدَنِسٌ، أو: لرَدِيءٌ، أو كَلِمَةً تُشْبِهُها.
(١) هذا الباب والذي يليه وردا في ظ عقب «كتاب السبق والرمي».